للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هل فعل أحد أفراد الأسرة لذنب اقترفه والدهم في الماضي من تعجيل العقوبة؟!

[السُّؤَالُ]

ـ[هل عندما يعمل شخص ذنب، وبعد ذلك يكتشف أن ابنه أو أي شخص من عائلته عمل ذات الذنب، هل ذلك: كما تدين تدان، أم إنه تعجيل للعقوبة؟ وهل يجب أن يعاقب هذا الشخص الذي تحت مسئوليته وعمل الذنب؟ أم إنه يقول: إن هذا عقاب من الله لظلمه لنفسه، وبما كسبت يداه وإنه خارج إرادة الشخص الذي تحت مسئوليته؟ أرجو إفتاءنا، وجزاكم الله خير]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

فإن الإنسان لا يؤاخذ بذنب غيره، كما قال الله سبحانه: (وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَاّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) الأنعام:١٦٤، قال العلامة الشوكاني رحمه الله في فتح القدير عند تفسير الآية: " أي لا يؤاخذ مما أتت من الذنب، وارتكبت من المعصية سواها؛ فكل كسبها للشر عليها لا يتعداها إلى غيرها " انتهى.

ثم قال رحمه الله: " وقد قيل: إن المراد بهذه الآية في الآخرة، والأولى حمل الآية على ظاهرها، أعني العموم. " انتهى.

وإذا كان كذلك فإن الله تعالى لا يقدر الذنب على إنسان مؤاخذة له بذنب غيره، ولكنه سبحانه وتعالى حكيم فيما يفعل، وهو أعلم أين يضع فضله. قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في شفاء العليل (١/٧١) : (فالله أعلم حيث يضع هداه وتوفيقه كما هو أعلم حيث يجعل رسالته.) فهو سبحانه يهدي ويوفق من يشاء فضلا، ويخذل من يشاء عدلاً.

ولكن شؤم المعصية قد يسري من شخص لآخر، لمجالسته له وإلفه لعمله؛ إذ ربما جره ذلك إلى موافقته في فعله، والاقتداء به، وربما كان في تقدير الله المعصية على قريب العاصي إساءة له، وتنغيص عليه؛ فكان في ذلك نوع من المجازاة له، ولكن مع اعتقاد أن الله قدر ذلك بتمام عدله وحكمته.

ومن الكلام المأثور عن علي رضي الله عنه، في كتب الأدب: " من هَتك حجاب أخيه، هُتِك حجاب بنيه!! ".

وفي قول الله تعالى: (يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا) مريم: ٢٨

قال قتادة رحمه الله: " كانت من أهل بيت يُعرفون بالصلاح، ولا يُعرفون بالفساد؛ ومن الناس من يُعرفون بالصلاح ويتوالدون به، وآخرون يُعرفون بالفساد ويتوالدون به "

تفسير الطبري (١٨/١٨٦) .

وقال ابن كثير رحمه الله: "أي: أنت من بيت طيب طاهر، معروف بالصلاح والعبادة والزهادة، فكيف صدر هذا منك؟! " تفسير ابن كثير (٥/٢٢٦)

وقال الشيخ السعدي رحمه الله: " وذلك أن الذرية - في الغالب - بعضها من بعض، في الصلاح وضده " اهـ تفسير السعدي (٤٩٢) .

وفي سنن أبي داود (٣٩٦٣) وغيره، وصححه الألباني، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَلَدُ الزِّنَا شَرُّ الثَّلَاثَةِ) ؛ أَيْ الزَّانِيَانِ وَوَلَدهمَا.

قال شيخ الإسلام رحمه الله: " ولد الزنا إن آمن وعمل صالحا دخل الجنة، وإلا جوزي بعمله كما يجازى غيره، والجزاء على الأعمال لا على النسب، وإنما يذم ولد الزنا لأنه مظنة أن يعمل عملا خبيثا، كما يقع كثيرا؛ كما تحمد الأنساب الفاضلة لأنها مظنة عمل الخير؛ فأما اذا ظهر العمل فالجزاء عليه، وأكرم الخلق عند الله أتقاهم " اهـ مجموع الفتاوى (٤/٣١٢) .

قال الشاعر:

وَأَوَّلُ خبثِ الماءِ خَبثُ تُرابِهِ وَأَوَّلُ لُؤمِ القَومِ لُؤمُ الحَلائِلِ

وليس ذلك كما قلنا من مؤاخذة الإنسان بذنب غيره في شيء؛ وإنما الطبع لص، والأيام دُول، والمعاصي ديون!!

وكما أن الله تعالى يمن على عبده الصالح، ويُقر عينه بصلاح زوجه وذريته، فقد يكون من عقاب العاصي أن يرى شؤم معصيته فسادا في ذريته، أو معصية في أهله، نعوذ بالله من غضبه وشر عقابه.

وأما تأديبه، بل وعقابه لشخص تحت رعايته، وقد وقع في نفس الذنب الذي وقع فيه هو من قبل، فنعم هذا واجب عليه أيضا: أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر في بيته فيلزمه أن ينكر على من ولاه الله عليه إذا وقع في المعصية التي هو واقع فيها.

قال العلامة السفاريني رحمه الله في غذاء الألباب (١/٢١٩) : يجب على كل مؤمن مع الشروط المتقدمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولو فاسقاً، حتى على جلسائه وشركائه في المصعية. انتهى.

وقال العلامة زكريا الأنصاري رحمه الله في أسنى المطالب (٤/١٨٠) : " لا يشترط في الآمر والناهي كونه متمثلاً ما يأمر به، مجتنباً ما ينهى عنه، بل عليه أن يأمر وينهى نفسه وغيره، فإن اختل أحدهما لم يسقط الآخر." انتهى.

على أنه سوف يكون عيبا عليه، أي عيب، وشينا في حقه أي شين: أن يأمر الناس بالمعروف وينسى، وينهاهم عن المنكر الذي يأتيه:

قال الله تعالى: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) البقرة:٤٤،وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) الصف: ٢-٣.

فليس له من مخرج من تلك الورطة، ولا علاج لذلك الفصام، إلا بالتوبة النصوح، والأخذ بعمل الخير، قبل أن يذوق وبال أمره: (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) .

قال الشاعر:

يا أَيُّها الرَجُلُ المُعَلِّمُ غَيرَهُ هَلا لِنَفسِكَ كانَ ذا التَعليمُ

تَصِفُ الدَّواءَ لِذي السَّقامِ وَذي الضَّنا كيما يَصحّ بِهِ وَأَنتَ سَقيمُ

لا تَنهَ عَن خُلُقٍ وَتأتيَ مِثلَهُ عارٌ عَلَيكَ إِذا فعلتَ عَظيمُ

فابدأ بِنَفسِكَ فانهَها عَن غَيِّها فَإِذا اِنتَهَت عَنهُ فأنتَ حَكيمُ

فَهُناكَ يُقبَلُ ما تَقولُ وَيَهتَدي بِالقَولِ منك وَينفَعُ التعليمُ

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>