للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كلام شيخ الإسلام أن الهلال اسم لما استهل ورآه الناس

[السُّؤَالُ]

ـ[يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأصل المسألة أن الله سبحانه وتعالى علق أحكاما شرعية بمسمي الهلال والشهر...... لكن الذي تنازع فيه الناس أن الهلال هل هو اسم لما يظهر في السماء؟ وإن لم يعلم الناس به؟ وبه يدخل الشهر، أو الهلال اسم لما يستهل به الناس والشهر لما اشتهر بينهم؟ علي قولين " وقد مال شيخ الإسلام للقول الثاني بأن الهلال هو استهلال الناس، وعلي أساسه أيضا مال إلي أن من رأى الهلال وحده لا يصوم إلا مع الناس، لأن الهلال يوم استهلال الناس، وهذا ما اطمأن إليه قلبي أن الصوم يوم يصوم الناس، لكن هناك إشكال عندي فيما اختاره عن مدلول الهلال والشهر، فما دليل من قال بذلك؟ وكيف والرسول صلي الله عليه وسلم يقول: (إذا رأيتموه) ؟ وعلى هذا يسقط عندي أن الهلال هو استهلال الناس ويثبت أن الهلال هو هلال القمر في السماء، فهل يلزم من ذلك سقوط الحكم المبني عليه في صيام من رأى الهلال وحده وأن الصوم يوم يصوم الناس؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولا:

قول شيخ الإسلام رحمه الله: إن الهلال اسم لما استهل بين الناس، والشهر هو ما اشتهر بينهم، بناه على جملة من الأدلة، وهي:

الأول: أن الله سبحانه وتعالى علق أحكاما شرعية بمسمى الهلال , والشهر: كالصوم والفطر والنحر , فقال تعالى: (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج) . فبين سبحانه أن الأهلة مواقيت للناس والحج. وقال تعالى: (كتب عليكم الصيام) - إلى قوله – (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس) . والهلال مأخوذ من الاستهلال وهو رفع الصوت، والشهر مأخوذ من الاشتهار. فما لم يستهل الناس به، ولم يشتهر بينهم، فلا يكون هلالاً ولا شهراً.

الثاني: القياس على رؤية هلال ذي الحجة، قال الشيخ: "ما علمت أن أحدا قال: من رآه يقف وحده , دون سائر الحاج , وأنه ينحر , ويرمي جمرة العقبة , ويتحلل دون سائر الحاج". فأي فرق بين هلال رمضان وهلال ذي الحجة؟ لماذا يعمل برؤية نفسه ويخالف الجماعة في رمضان، ولا يعمل برؤية نفسه في هلال ذي الحجة!

الثالث: حديث: (الصوم يوم تصومون , والفطر يوم تفطرون , والأضحى يوم تضحون) . رواه الترمذي (٦٩٧) وصححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (٢٤٤) . ومعنى الحديث: أن الصوم والفطر والأضحى تكون مع جماعة المسلمين، لا يتفرد أحد منهم بشيء من ذلك، ولذلك قال الإمام أحمد في رواية عنه: يصوم مع الإمام وجماعة المسلمين، يد الله مع الجماعة.

وهذه الأدلة تدل دلالة قوية على ما اختاره الشيخ رحمه الله.

وانظر: "مجموع فتاوى ابن تيمية" (٢٥/١٠٩- ١١٨) .

ثانياً: لا شك أن هذه المسألة من المسائل الاجتهادية، التي اختلف فيها العلماء، والمطلوب من المسلم القادر على تحقيق المسائل ومعرفة الراجح منها بالأدلة الشرعية، أن يعمل بما ترجح عنده، كما قال بعض السلف: قد أحسن من انتهى ما قد سمع.

فإذا لم يطمئن قلبك إلى ما سبق من الأدلة، ورأيت أن قول من قال بوجوب الصيام على من انفرد برؤية هلال رمضان أقرب إلى الصواب، فإنه يلزمك العمل بما ترجح عندك.

وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا تيقن شخص من دخول الشهر برؤية الهلال ولم يستطع إبلاغ المحكمة فهل يجب عليه الصيام؟

فأجاب: " اختلف العلماء في هذا، فمنهم من يقول: إنه لا يلزمه، وذلك بناء على أن الهلال هو ما استهل واشتهر بين الناس.

ومنهم من يقول: إنه يلزمه؛ لأن الهلال هو ما رؤي بعد غروب الشمس، سواء اشتهر بين الناس أم لم يشتهر.

والذي يظهر لي أن من رآه وتيقن رؤيته وهو في مكان ناءٍ لم يشاركه أحد في الرؤية، أو لم يشاركه أحد في الترائي، فإنه يلزمه الصوم، لعموم قوله تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) وقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتموه فصوموا) ولكن إن كان في البلد وشهد به عند المحكمة، وردت شهادته فإنه في هذا الحال يصوم سرا، لئلا يعلن مخالفة الناس " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (١٩/٧٤) .

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>