للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هل يقصر ويأكل قبل مغادرته بيته مسافراً؟

[السُّؤَالُ]

ـ[لو كنت سأسافر في رحلة لمكان يبعد ١٠٠ ميل أو أكثر، فكم ركعة سنصلي قبل وبعد السفر؟ أعتقد أنها ركعتان قبل وبعد الرحلة (أليس كذلك؟) .]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

لم يأتِ في السنَّة النبوية تحديد لمسافة السفر، وقد اختلف العلماء في تحديدها اختلافاً كبيراً، والصحيح: أن مرجع ذلك إلى عرف كل بلد، فما تعارف الناس على أنه سفر فهو السفر الذي يكون فيه الفطر والقصر، وهذا القول قد اختاره جماعة من المحققين , منهم ابن قدامة المقدسي وشيخ الإسلام ابن تيمية، وانظر في هذا أجوبة الأسئلة: (١٠٩٩٣) و (٣٨٠٧٩) .

ثانياً:

المسافر لا يترخص بأحكام السفر إلا إذا خرج من بلده وجاوزها، ويظل يترخص بتلك الرخص ما دام مسافراً حتى يرجع إلى بلده.

فلا يجوز له أن يقصر الصلاة إلا أن يتجاوز بنيان بلده أو عامر قريته، ولا يحل له القصر وهو في بيته أو بلده.

واختلف العلماء في الفطر، فجوَّز بعضهم له الفطر إذا عزم على السفر عزماً مؤكداً وجهز راحلته، ومنع منه الجمهور فلم يجوزوا الفطر إلا حيث جاز له القصر وهو مجاوزة البنيان، وهذا القول هو الأقوى والأحوط.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

" هل يشترط أن يفارق قريته إذا عزم على السفر وارتحل، فهل له أن يفطر؟

الجواب: في هذا أيضاً قولان عن السلف.

ذهب بعض أهل العلم إلى جواز الفطر إذا تأهب للسفر ولم يبق عليه إلا أن يركب، وذكروا ذلك عن أنس رضي الله عنه أنه كان يفعله، وإذا تأملت الآية – أي: قوله تعالى (وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر) - وجدتَ أنه لا يصح هذا؛ لأنه إلى الآن لم يكن على سفر، فهو الآن مقيم وحاضر.

وعليه: فلا يجوز له أن يفطر إلا إذا غادر بيوت القرية. . .

أما قبل الخروج: فلا؛ لأنه لم يتحقق السفر.

فالصحيح: أنه لا يفطر حتى يفارق القرية، ولذلك لا يجوز أن يقصر الصلاة حتى يخرج من البلد، فكذلك لا يجوز أن يفطر حتى يخرج من البلد " انتهى.

" الشرح الممتع " (٦ / ٣٤٦) .

وعليه: فلا يجوز لمن عزم على السفر أن يقصر في بيته؛ لأن القصر من أحكام السفر ورخصه، وهو في بيته ليس مسافراً، وهذا قول جمهور العلماء، وفي المسألة أقوال شاذة مثل قول من قال بجواز القصر وهو في بيته، وقول من قال إنه لا يقصر إذا سافر في النهار إلا أن يدخل الليل، وقول ثالث وهو أنه يجوز له القصر إذا جاوز حيطان داره.

قال النووي رحمه الله:

" مذهبنا أنه إذا فارق بنيان البلد قصر , ولا يقصر قبل مفارقتها وإن فارق منزله وبهذا قال مالك وأبو حنيفة وأحمد وجماهير العلماء , وحكى ابن المنذر عن الحارث بن أبي ربيعة أنه أراد سفرا فصلى بهم ركعتين في منزله , وفيهم الأسود بن يزيد وغير واحد من أصحاب ابن مسعود , قال: وروينا معناه عن عطاء وسليمان بن موسى، قال: وقال مجاهد: لا يقصر المسافر نهارا حتى يدخل الليل , قال ابن المنذر: لا نعلم أحدا وافقه، وحكى القاضي أبو الطيب وغيره عن مجاهد أنه قال: إن خرج بالنهار لم يقصر حتى يدخل الليل , وإن خرج بالليل لم يقصر حتى يدخل النهار , وعن عطاء أنه قال: إذا جاوز حيطان داره فله القصر , فهذان المذهبان فاسدان , فمذهب مجاهد منابذ للأحاديث الصحيحة في قصر النبي صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة حين خرج من المدينة , ومذهب عطاء وموافقيه منابذ لاسم السفر " انتهى.

"المجموع" (٤ / ٢٢٨) .

ويجوز للمسافر الجمع بين الصلاتين قبل السفر إذا كان سيشق عليه أداء الصلاة الثانية وهو في طريق سفره، أما القصر فلا.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

" وليس للقصر أو الإقامة مدة معينة على القول الصحيح ما دمتم عازمين على الرجوع إلى أوطانكم , أما إن نويتم الإقامة المطلقة: فقد انقطع حكم السفر في حقكم.

وتبدأ أحكام السفر إذا فارق المسافر وطنه وخرج من عامر قريته أو مدينته، ولا يحل لكم أن تجمعوا بين الصلاتين حتى تغادروا البلد إلا أن تخافوا أن لا يتيسر لكم صلاة الثانية أثناء سفركم " انتهى.

" مجموع فتاوى ابن عثيمين " (١٥ / ٣٤٦) .

وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:

" وإذا دخل وقت الظهر وأنت لم تبدأ السفر: فإنه يجب عليك أن تصلي صلاة الظهر تمامًا من غير قصر.

وأما صلاة العصر: فإن كان سفرك ينتهي وقت العصر؛ فإنك تصلي العصر تامة في وقتها إذا وصلت، أما إذا كان السفر يستمر من الظهر إلى بعد غروب الشمس بحيث يخرج وقت العصر وأنت في السفر، ولا يمكنك النزول لما ذكرت من أن صاحب السيارة لا يوافق على التوقف: فلا مانع من الجمع في هذه الحالة؛ لأن هذه حالة عذر تبيح الجمع، ولكن مع الإتمام.

إذا صليت العصر مع الظهر جمع تقديم وأنت في بيتك، وتريد السفر بعدها: فإنك تصلي الظهر والعصر تمامًا كل واحدة أربع ركعات، ولا بأس بالجمع؛ لأن الجمع يباح في هذه الحالة، أما القصر: فإنه لم يبدأ وقته؛ لأن القصر إنما يجوز بعد مفارقة البنيان الذي هو موطن إقامتك " انتهى.

" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (٣ / ٦٢) .

وقال حفظه الله:

" أحكام السفر تبدأ بالخروج من البلد، إذا خرج الإنسان من بلد إقامته؛ بأن فارق عامر البلد؛ أي: فارق البنيان؛ فإنها تبدأ أحكام السفر في حقه؛ من قصر الصلاة والفطر في رمضان وغير ذلك من أحكام السفر، أما من كان داخل البنيان: فإنه لا تبدأ في حقه أحكام السفر،

وإذا وجبت عليه الصلاة وهو في داخل البنيان: فإنه يصليها تمامًا وفي وقتها؛ كالحاضرين؛ لأنه لم يبدأ السفر في حقه، حتى ولو انتقل من حارة إلى حارة في طريقه إلى السفر؛ فإن هذا لا يعتبر مسافراً، حتى يخرج من جميع البنيان ومن عامر البلد " انتهى.

" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (٣ / ٦٢، ٦٣) .

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>