للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الحامل والمرضع تفطران وتقضيان ولا يجزئهما الإطعام

[السُّؤَالُ]

ـ[قرأت أنه يجوز للحامل والمرضع ترك الصيام مع الإطعام بدون قضاء , ويستدل له بما ورد عن ابن عمر في ذلك , ما صحة هذا؟ أفيدونا بالدليل بارك الله فيكم.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

اختلف العلماء في حكم الحامل والمرضع إذا أفطرتا على عدة أقوال:

القول الأول: عليهما القضاء فقط، وهذا مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله. وقال به من الصحابة علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

القول الثاني: إن خافتا على أنفسهما فعليهم القضاء فقط، وإن خافتا على ولديهما فعليهما القضاء وإطعام مسكين عن كل يوم، وهو مذهب الإمامين الشافعي وأحمد. وحكاه الجصاص عن ابن عمر رضي الله عنهما.

القول الثالث: عليهما الإطعام فقط، ولا قضاء عليهما. وقال به من الصحابة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وحكاه ابن قدامة في المغني (٣/٣٧) عن ابن عمر أيضاً رضي الله عنهما.

روى أبو داود (٢٣١٨) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ قَالَ كَانَتْ رُخْصَةً لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ وَهُمَا يُطِيقَانِ الصِّيَامَ أَنْ يُفْطِرَا وَيُطْعِمَا مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا وَالْحُبْلَى وَالْمُرْضِعُ إِذَا خَافَتَا قَالَ أَبُو دَاوُد يَعْنِي عَلَى أَوْلادِهِمَا أَفْطَرَتَا وَأَطْعَمَتَا. قال النووي: إسناده حسن.

وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَزَادَ فِي آخِرِهِ: وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ لأُمِّ وَلَدٍ لَهُ حُبْلَى: أَنْتَ بِمَنْزِلَةِ الَّتِي لا تُطِيقُهُ فَعَلَيْك الْفِدَاءُ , وَلا قَضَاءَ عَلَيْك , وَصَحَّحَ الدَّارَ قُطْنِيُّ إسْنَادَهُ. قاله الحافظ في "التلخيص".

وقد حكى الجصاص في " أحكام القرآن" اختلاف الصحابة في هذه المسألة فقال:

" اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ ; فَقَالَ عَلِيٌّ:: عَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ إذَا أَفْطَرَتَا وَلا فِدْيَةَ عَلَيْهِمَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَلَيْهِمَا الْفِدْيَةُ بِلا قَضَاءٍ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرُ: عَلَيْهِمَا الْفِدْيَةُ وَالْقَضَاءُ " اهـ.

واستدل من قالوا بأن عليهما القضاء فقط بعدة أدلة:

١- ما رواه النسائي (٢٢٧٤) عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ الْمُسَافِرِ نِصْفَ الصَّلاةِ، وَالصَّوْمَ، وَعَنْ الْحُبْلَى وَالْمُرْضِعِ) . صححه الألباني في صحيح النسائي. فجعل النبي صلى الله عليه وسلم حكم الحامل والمرضع كالمسافر، والمسافر يفطر ويقضي فكذلك الحامل والمرضع. انظر: "أحكام القرآن" للجصاص.

٢- القياس على المريض، فكما أن المريض يفطر ويقضي فكذلك الحامل والمرضع.

انظر: المغني (٣/٣٧) ، "المجموع" (٦/٢٧٣) .

وقد اختار هذا القول جماعة من العلماء.

قال الشيخ ابن باز في مجموع الفتاوى (١٥/٢٢٥) :

"الحامل والمرضع حكمهما حكم المريض، إذا شق عليهما الصوم شرع لهما الفطر، وعليهما القضاء عند القدرة على ذلك، كالمريض، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يكفيهما الإطعام عن كل يوم: إطعام مسكين، وهو قول ضعيف مرجوح، والصواب أن عليهما القضاء كالمسافر والمريض؛ لقول الله عز وجل: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/١٨٤" اهـ.

وقال أيضا في مجموع الفتاوى (١٥/٢٢٧) :

"الصواب في هذا أن على الحامل والمرضع القضاء وما يروى عن ابن عباس وابن عمر أن على الحامل والمرضع الإطعام هو قول مرجوح مخالف للأدلة الشرعية، والله سبحانه يقول: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/١٨٥.

والحامل والمرضع تلحقان بالمريض وليستا في حكم الشيخ الكبير العاجز بل هما في حكم المريض فتقضيان إذا استطاعتا ذلك ولو تأخر القضاء " اهـ.

وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (١٠/٢٢٠) :

" إن خافت الحامل على نفسها أو جنينها من صوم رمضان أفطرت وعليها القضاء فقط، شأنها في ذلك شأن المريض الذي لا يقوى على الصوم أو يخشى منه على نفسه مضرة، قال الله تعالى: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/١٨٥.

وكذا المرضع إذا خافت على نفسها إن أرضعت ولدها في رمضان، أو خافت على ولدها إن صامت ولم ترضعه أفطرت وعليها القضاء فقط " اهـ.

وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" أيضا (١٠/٢٢٦) :

" أما الحامل فيجب عليها الصوم حال حملها إلا إذا كانت تخشى من الصوم على نفسها أو جنينها فيرخص لها في الفطر وتقضي بعد أن تضع حملها وتطهر من النفاس. . . ولا يجزئها الإطعام عن الصيام، بل لا بد من الصيام ويكفيها عن الإطعام " اهـ.

وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (٦/٢٢٠) بعد أن ذكر اختلاف العلماء في حكم المسألة، واختار أن عليهما القضاء فقط، قال:

" وهذا القول أرجح الأقوال عندي، لأن غاية ما يكون أنهما كالمريض والمسافر يلزمهما القضاء فقط " اهـ.

والله تعالى أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>