للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هل يستأذن الرجل زوجته في صوم التطوع كما هو الحال معها؟

[السُّؤَالُ]

ـ[المرأة تستأذن زوجها في أن تصوم، أعني في غير شهر رمضان؛ وذلك لأنه من حقه أن يأتيها متى يشاء، ومن الواجب عليها أن تطيعه، فهل لها هي الأخرى حق بأن يستأذنها في أن يصوم؟.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

نهى النبي صلى الله عليه وسلم الزوجة أن تصوم تطوعاً وزوجها شاهد إلا بإذنه.

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلا بِإِذْنِهِ) . رواه البخاري (٥١٩٥) ومسلم (١٠٢٦) .

ولفظ أحمد (٩٨١٢) : (لا تَصُومُ الْمَرْأَةُ يَوْمًا وَاحِدًا وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلا بِإِذْنِهِ إِلا رَمَضَانَ) حسنه الألباني في "صحيح الترغيب" (١٠٥٢) .

قال النووي:

هذا محمول على صوم التطوع والمندوب الذي ليس له زمن معين , وهذا النهي للتحريم صرح به أصحابنا , وسببه أن الزوج له حق الاستمتاع بها في كل الأيام , وحقه فيه واجب على الفور فلا يفوته بتطوع ولا بواجب على التراخي. " شرح مسلم " (٧ / ١١٥) .

ثانياً:

وأما سبب ورود النهي للمرأة دون الرجل فيمكن استنباط الحكمة من ذلك:

١- حق الزوج على زوجته آكد من حقها عليه، فلا يصح قياس الزوج على الزوجة في هذا.

قال ابن قدامة في "المغني" (٧/٢٢٣) :

" وَحَقُّ الزَّوْجِ عَلَيْهَا أَعْظَمُ مِنْ حَقِّهَا عَلَيْهِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) . وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (لَوْ كُنْت آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ , لأَمَرْت النِّسَاءَ أَنْ يَسْجُدْنَ لأَزْوَاجِهِنَّ ; لِمَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ الْحَقِّ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد " انتهى.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى" (٣/١٤٤) :

" وَلَيْسَ عَلَى الْمَرْأَةِ بَعْدَ حَقِّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَوْجَبَ مِنْ حَقِّ الزَّوْجِ , حَتَّى قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (لَوْ كُنْت آمِرًا لأَحَدٍ أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ لأَمَرْت الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا لِعِظَمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا) " انتهى.

٢- أن الزوج – غالباً – هو الطالب للجماع، والمرأة هي المطلوبة، فالأكثر والأغلب أن تكون الرغبة منه إليها، فناسب أن تستأذنه قبل صيام النفل، إذ قد تكون له رغبة في جماعها.

٣- شهوة الرجال أكبر وأعظم من شهوة النساء، ولذا أبيح للرجل الزواج من أربع نسوة، وليس هذا الأمر في النساء ولا لهن، ولذا – أيضاً – كان صبر الرجال على ترك الجماع أضعف من صبر النساء، ولذا جاء الاستئذان لهن، وجاء الوعيد لهن في امتناعهن من الجماع في حال دعوة الزوج لهن.

ومناسبة الحديث تؤيد هذه الحكمة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى المرأة عن صيام النفل لما اشتكى زوج امرأة عليها أنه يرغب بجماعها وهي تكثر الصوم فيتعطل حقه.

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ عِنْدَهُ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ زَوْجِي صَفْوَانَ بْنَ الْمُعَطَّلِ يَضْرِبُنِي إِذَا صَلَّيْتُ، وَيُفَطِّرُنِي إِذَا صُمْتُ، وَلا يُصَلِّي صَلاةَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ. قَالَ: وَصَفْوَانُ عِنْدَهُ. قَالَ: فَسَأَلَهُ عَمَّا قَالَتْ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمَّا قَوْلُهَا: يَضْرِبُنِي إِذَا صَلَّيْتُ، فَإِنَّهَا تَقْرَأُ بِسُورَتَيْنِ وَقَدْ نَهَيْتُهَا. قَالَ: فَقَالَ: لَوْ كَانَتْ سُورَةً وَاحِدَةً لَكَفَتْ النَّاسَ. وَأَمَّا قَوْلُهَا: يُفَطِّرُنِي، فَإِنَّهَا تَنْطَلِقُ فَتَصُومُ، وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ، فَلا أَصْبِرُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ: لا تَصُومُ امْرَأَةٌ إِلا بِإِذْنِ زَوْجِهَا. وَأَمَّا قَوْلُهَا: إِنِّي لا أُصَلِّي حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَإِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ قَدْ عُرِفَ لَنَا ذَاكَ، لا نَكَادُ نَسْتَيْقِظُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ. قَالَ: فَإِذَا اسْتَيْقَظْتَ فَصَلِّ.

رواه أبو داود (٢٤٥٩) . والحديث: صححه ابن حبان (٤ / ٣٥٤) ، والحافظ ابن حجر في " الإصابة " (٣ / ٤٤١) ، والألباني في " إرواء الغليل " (٧ / ٦٥) .

قال الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله:

ومن حقوقه عليها: أن لا تعمل عملا يضيع عليه كمال الاستمتاع حتى لو كان ذلك تطوعاً بعبادة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن لأحد في بيته إلا بإذنه) . " حقوق دعت إليها الفطرة وقررتها الشريعة " (ص ١٢) .

وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:

لا يجوز للمرأة أن تصوم تطوعًا وزوجها شاهد إلا بإذنه؛ لأن له عليه حق العشرة والاستمتاع، فإذا صامت فإنها تمنعه من حقوقه، فلا يجوز لها ذلك، ولا يصح صومها تنفلاً إلا بإذنه. " المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (٤ / ٧٣، ٧٤) .

٤- القيام بحقوق الزوج، ورعاية المنزل، وتربية الأبناء واجبات على الزوجة، فقد يرى الزوج تعارضاً بين تلك الواجبات وصيامها للنفل، وهذا مشاهد من قبل النساء – بل وبعض الرجال – أنه إن صامت تكاسلت وفرَّطت في واجبات بيتها، ولذلك جعل الاستئذان في صيام النفل دون الواجب.

٥- أن الزوج – في العادة – يخرج للعمل والتكسب، بخلاف المرأة التي عملها في بيتها، فلم يشرع استئذان الزوج لعدم الحاجة إليه، بخلاف المرأة التي تستأذن

وعلى كل حال: فأوامر الشرع ونواهيه كلها حكمة، ويجب على المسلم أن يقول سمعنا وأطعنا، والأصل اشتراك الرجال والنساء في الأحكام إلا ما فرَّق الله بينها لحكمة تتعلق بطبيعة خلقتها أو للابتلاء ليعلم المؤمن الصادق من غيره.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>