للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

معنى أن العمرة في رمضان تعدل حجة

[السُّؤَالُ]

ـ[العمرة في شهر رمضان تعدل حجة، ما المقصود من ذلك، أريد شرحا مفصلا؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولا:

روى البخاري (١٧٨٢) ومسلم (١٢٥٦) عن ابْن عَبَّاسٍ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِامْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ: (مَا مَنَعَكِ أَنْ تَحُجِّي مَعَنَا؟ قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ لَنَا إِلَّا نَاضِحَانِ [بعيران] ، فَحَجَّ أَبُو وَلَدِهَا وَابْنُهَا عَلَى نَاضِحٍ، وَتَرَكَ لَنَا نَاضِحًا نَنْضِحُ عَلَيْهِ [نسقي عليه] الأرض، قَالَ: فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَاعْتَمِرِي، فَإِنَّ عُمْرَةً فِيهِ تَعْدِلُ حَجَّةً) وفي رواية لمسلم: (حجة معي) .

ثانيا:

اختلف أهل العلم فيمن يُحَصِّلُ الفضيلة المذكورة في الحديث، على ثلاثة أقوال:

القول الأول: أن هذا الحديث خاص بالمرأة التي خاطبها النبي صلى الله عليه وسلم، وممن اختار هذا القول: سعيد بن جبير من التابعين، نقله عنه ابن حجر في "فتح الباري" (٣/٦٠٥) .

ومما يستدل به لهذا القول ما جاء في حديث أم معقل أنها قالت: (الحج حجة، والعمرة عمرة، وقد قال هذا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أدري أَلِي خاصةً. – تعني: أم للناس عامة-) رواه أبو داود (١٩٨٩) غير أن هذا اللفظ ضعيف، ضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود".

القول الثاني: أن هذه الفضيلة يحصلها من نوى الحج فعجز عنه، ثم عوضه بعمرة في رمضان، فيكون له باجتماع نية الحج مع أداء العمرة أجر حجة تامة مع النبي صلى الله عليه وسلم.

قال ابن رجب في "لطائف المعارف" (ص/٢٤٩) :

" واعلم أن مَن عجز عن عملِ خيرٍ وتأسف عليه وتمنى حصوله كان شريكا لفاعله في الأجر ... – وذكر أمثلة لذلك منها -: وفات بعضَ النساءِ الحجُّ مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قدم سألته عما يجزئ من تلك الحجة، قال: (اعتمري في رمضان، فإن عمرة في رمضان تعدل حجة أو حجة معي) " انتهى.

ونحو ذلك قاله ابن كثير في التفسير (١/٥٣١) .

وذكر هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية احتمالا في "مجموع الفتاوى" (٢٦/٢٩٣-٢٩٤) .

القول الثالث: ما ذهب إليه أهل العلم من المذاهب الأربعة وغيرهم، أن الفضل في هذا الحديث عام لكل من اعتمر في شهر رمضان، فالعمرة فيه تعدل حجة لجميع الناس، وليس مخصوصا بأشخاص أو بأحوال.

انظر: "رد المحتار" (٢/٤٧٣) ، "مواهب الجليل" (٣/٢٩) ، "المجموع" (٧/١٣٨) ، "المغني" (٣/٩١) ، "الموسوعة الفقهية" (٢/١٤٤) .

والأقرب من هذه الأقوال – والله أعلم - هو القول الأخير، وأن الفضل عام لكل من اعتمر في رمضان، ويدل على ذلك:

١- ورود الحديث عن جماعة من الصحابة، فقد قال الترمذي: " وفي الباب عن ابن عباس وجابر وأبي هريرة وأنس ووهب بن خنبش "، وأكثر مروياتهم لا تذكر قصة المرأة السائلة.

٢- عمل الناس عبر العصور، من الصحابة والتابعين والعلماء والصالحين، ما زالوا يحرصون على أداء العمرة في شهر رمضان كي ينالهم الأجر.

وأما تخصيص الفضل بمن عجز عن أداء الحج في عامه لمانع، فيقال: إن من صدقت نيته وعزيمته وأخذ بالأسباب ثم منعه مانع فوق إرادته فإن الله سبحانه وتعالى يكتب له أجر العمل بفضل النية، فكيف يعلق النبي صلى الله عليه وسلم حصول الأجر بعمل زائد وهو أداء العمرة في رمضان وقد كانت النية الصادقة كافية لتحصيل الأجر!

ثالثا:

ويبقى السؤال في معنى الفضل المذكور، وأن العمرة في رمضان تعدل حجة، وبيان ذلك بما يلي:

لا شك أن العمرة في رمضان لا تجزئ عن حج الفريضة، بمعنى أن من اعتمر في رمضان لم تبرأ ذمته من أداء الحج الواجب لله تعالى.

فالمقصود من الحديث إذًا التشبيه من حيث الثواب والأجر، وليس من حيث الإجزاء.

ومع ذلك، فالمساواة المقصودة بين ثواب العمرة في رمضان وثواب الحج هي في قدر الأجر، وليست في جنسه ونوعه، فالحج لا شك أفضل من العمرة من حيث جنس العمل.

فمن اعتمر في رمضان تحصل على قدر أجر الحج، غير أن عمل الحج فيه من الفضائل والمزايا والمكانة ما ليس في العمرة، من دعاء بعرفة ورمي جمار وذبح نسك وغيرها، فهما وإن تساويا في قدر الثواب من حيث الكم – يعني العدد –، ولكنهما لا يتساويان في الكيف والنوع.

وهذا هو توجيه ابن تيمية حين تكلم عن الحديث الذي فيه أن سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن، يمكن مراجعة كلامه في جواب السؤال رقم (١٠٠٢٢) .

قال إسحاق بن راهويه:

" معنى هذا الحديث – يعني حديث (عمرة في رمضان تعدل حجة) - مثل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من قرأ: قل هو الله أحد فقد قرأ ثلث القرآن "

"سنن الترمذي" (٢/٢٦٨)

وجاء في "مسائل الإمام أحمد بن حنبل رواية أبي يعقوب الكوسج" (١/٥٥٣) :

" قلت: من قال: (عمرة في رمضان تعدل حجة) أثبت هو؟ قال: بلى، هو ثبت.

قال إسحاق: ثبت كما قال، ومعناه: أن يكتب له كأجر حجة، ولا يلحق بالحاج أبدا " انتهى.

وقال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (٢٦/٢٩٣-٢٩٤) :

" معلوم أن مراده: أن عمرتك فى رمضان تعدل حجة معي، فإنها كانت قد أرادت الحج معه، فتعذر ذلك عليها، فأخبرها بما يقوم مقام ذلك، وهكذا من كان بمنزلتها من الصحابة، ولا يقول عاقل ما يظنه بعض الجهال أن عمرة الواحد منا من الميقات أو من مكة تعدل حجة معه، فإنه من المعلوم بالاضطرار أن الحج التام أفضل من عمرة رمضان، والواحد منا لو حج الحج المفروض لم يكن كالحج معه، فكيف بعمرة!! وغاية ما يحصله الحديث أن تكون عمرة أحدنا في رمضان من الميقات بمنزلة حجة " انتهى.

وانظر جواب السؤال (١٣٤٨٠) .

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>