للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يعاني من وسواس العين

[السُّؤَالُ]

ـ[إذا أعجب أحدهم بشيء وذكر الله , هل ممكن أن يصاب بالعين؟ وإذا كان أحدهم يشك بذلك الأمر , وهذا يضيق عليه حياته الاجتماعية كثيرا، وأصبح يخاف من أن ينظر إلى الأشياء أو الأشخاص , علما أنه لا يحسد الناس على ما عندهم، ولا يحب الأذى لغيره أبدا والله، ويقرأ القرآن، ويذكر الله دائما. أرجو المساعدة في فك هذا الكرب عن أخيكم المسلم. جزاكم الله كل خير.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لِلَّه

أسأل الله تعالى أن يفرج كربك ويزيل همك.

واعلم أخي السائل الكريم أن الشريعة لا تجيء بالحرج أبدا، بل من أهم مقاصدها رفع الحرج عن الناس.

قال سبحانه وتعالى: (مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ) المائدة/٦

ولا يجوز للمسلم أن يجاري الشيطان لتصير حياته شكا ووسواسا وريبة، فإنه إن فعل ذلك خسر في دنياه ولم يكسب في آخرته، ومثل هذه الوساوس إنما هي من مكائد الشيطان اللعين، يريد أن يحزن الذين آمنوا، ويريد أن يشق عليهم، والله سبحانه وتعالى خير حافظا وهو أرحم الراحمين.

فالواجب عليك أخي الكريم قطع جميع هذه الوساوس، وعدم الالتفات إلى ظنون السوء، ويكفيك أن تأتي بالذكر المشروع عند رؤية الشيء الحسن، والله سبحانه وتعالى يدفع عنه العين أو الحسد، ولا يمكن أن يجتمع ذكر الله مع العين والحسد أبدا.

عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

(أَلَا بَرَّكْتَ، فَإِنَّ العَينَ حَقٌ)

رواه مالك في "الموطأ" (٢/٩٣٨) وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (٦/١٤٩)

قال الزرقاني في شرح الموطأ (٤/٣٢٠) : " أي: قلت بارك الله فيك، فإن ذلك يبطل المعنى الذي يُخاف من العين، ويُذهب تأثيره " انتهى.

وعن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا رَأَى أَحَدُكُم مِن نَفسِهِ وَأَخِيهِ مَا يُعجِبُهُ فَلْيَدعُ بِالبَرَكَةِ، فَإِنَّ العَينَ حَقٌّ)

رواه الحاكم في "المستدرك" (٤/٢٤٠) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بذكر البركة. ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (٥٥٦)

جاء في "الموسوعة الفقهية" (١٣/٣١) :

" فيه دليل على أنّ العين لا تضرّ ولا تعدو إذا برّك العائن، فالمشروع على كلّ من أعجبه شيء أن يبرّك، فإنّه إذا دعا بالبركة صرف المحذور لا محالة، والتّبرّك أن يقول: تبارك الله أحسن الخالقين، اللهمّ بارك فيه.

وقال النّوويّ يستحبّ للعائن أن يدعو لمعيّن بالبركة، فيقال: اللهمّ بارك ولا تضرّه.

ويقول: ما شاء الله لا قوّة إلّا بالله " انتهى.

وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (١٠/٢٠٥) :

" الذي يعجبه الشيء ينبغي أن يبادر إلى الدعاء للذي يعجبه بالبركة، ويكون ذلك رقية منه " انتهى.

وفي "فتاوى اللجنة الدائمة" (١/٥٤٧) :

" وأما العلاج للعائن فإذا رأى ما يعجبه فليذكر الله وليبرك " انتهى.

ويقول الشيخ الفوزان في "المنتقى" (١/سؤال رقم ٨٧) :

" فإذا خشي العائن أن يضر المنظور؛ فإنه يقول: اللهم بارك عليه!! وكذلك يُستحَبُّ له أن يقول: ما شاء الله لا قوَّة إلا بالله؛ لأنه رُويَ عن هشام بن عروة عن أبيه؛ أنه كان إذا رأى شيئًا يُعجِبُهُ، أو دَخلَ حائطًا من حِيطانِهِ؛ قال: ما شاء الله لا قُوَّةَ إلا بالله.

فإذا لازم العائن هذا الذكر؛ فإنه يدفع ضرره بإذن الله " انتهى.

وجاء في فتاوى الشيخ عبد الكريم الخضير (٥) :

" لا ينبغي للمسلم أن تساوره الشكوك والأوهام والظنون والخوف الزائد من العين فيصاب بأمراض نفسية وغيرها، وليحسن الظن بالله عز وجل، وليعلم أن ما أصابه لم يكن إلا بقدر الله تبارك وتعالى، فليلجأ إلى الله عز وجل؛ لأنه وحده سبحانه القادر على كشف الضر ورفع البلاء " انتهى.

فإذا رأيت شيئا يعجبك أخي الكريم فادع الله له بالبركة، ثم لا تلتفت إلى غير ذلك، فإن الله سبحانه وتعالى يحفظه بدعائك، ويرد عنه كل سوء، ولا تترك نفسك في مخاوفها، فإن الله سبحانه وتعالى لا يرضى ذلك لعباده، مع مجاهدة نفسك على النظر إلى تقدير الله تعالى في كل أمر، وأن له الحكمة البالغة سبحانه فيما أعطى ومنع، وخفض ورفع، لا معقب لحكمه، ولا مبدل لكلماته سبحانه.

وتذكر دائما ـ يا عبد الله ـ أن أمر الدنيا وما فيها أحقر من أن نتحاسد أو نتعادى من أجله، كما قال المتنبي:

وَمُرادُ النُفوسِ أَصغَرُ مِن أَن نَتَعادى فيهِ وَأَن نَتَفانى

وإلى ذلك الإشارة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (علامَ يقتلُ أحدُكم أخاه) رواه الإمام مالك (١٧٤٦) أحمد (١٥٥٥٠) وغيرهما.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>