للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أخطاء تقع في الطواف

[السُّؤَالُ]

ـ[في الطواف نلاحظ أن بعض الناس يقف في بداية المطاف ويتلفظ بنية الطواف، كما أننا نلاحظ أن بعضهم يزاحم مزاحمة شديدة من أجل الوصول إلى الحجر، وربما اقتتلوا عليه، فما رأيكم في هذه الأعمال؟.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

هذه من الأخطاء التي تقع في الطواف وهي على وجوه:

" الأول:

النطق بالنية عند إرادة الطواف، فتجد الحاج يقف مستقبلا الحَجَر إذا أراد الطواف، فيقول: اللهم إني نويت أن أطوف سبعة أشواط للعمرة، أو اللهم إني نويت أن أطوف سبعة أشواط للحج، أو اللهم إني نويت أن أطوف سبعة أشواط تقربًا إليك.

والتلفظ بالنية بدعة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعله، ولم يأمر أمته به، وكل من تعبد لله بأمر لم يتعبد به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يأمر أمته به، فقد ابتدع في دين الله ما ليس منه، فالتلفظ بالنية عند الطواف خطأ وبدعة، وكما أنه خطأ من ناحية الشرع فهو خطأ من ناحية العقل، فما الداعي إلى أن تتلفظ بالنية مع أن النية بينك وبين ربك، والله سبحانه وتعالى عالم بما في الصدور وعالم بأنك سوف تطوف هذا الطواف، وإذا كان الله سبحانه وتعالى عالماً بذلك فلا حاجة أن تظهر هذا لعباد الله.

والنبي صلى الله عليه وسلم قد طاف قبلك ولم يتكلم بالنية عند طوافه، والصحابة رضي الله عنهم قد طافوا قبلك ولم يتكلموا بالنية عند طوافهم، ولا عند غيره من العبادات؛ فهذا خطأ.

الثاني:

أن بعض الطائفين يزاحم مزاحمة شديدة عند استلام الحَجَر والركن اليماني، مزاحمة يتأذى بها ويؤذي غيره، مزاحمة قد تكون مع امرأة، وربما ينزغه من الشيطان نزع فتحصل في قلبه شهوة عندما يزاحم هذه المرأة في هذا المقام الضنك، والإنسان بشر قد تستولي عليه النفس الأمارة بالسوء، فيقع في هذا الأمر المنكر تحت بيت الله عز وجل، وهذا أمر يكبر ويعظم باعتبار مكانه كما أنه فتنة في أي مكان كان.

والمزاحمة الشديدة عند استلام الحجر أو الركن اليماني ليست مشروعة، بل إن تيسر لك بهدوء فذلك المطلوب، وإن لم يتيسر فإنك تشير إلى الحجر الأسود.

أما الركن اليماني فلم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أشار إليه، ولا يمكن قياسه على الحجر الأسود؛ لأن الحجر الأسود أعظم منه، والحجر الأسود ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أشار إليه.

والمزاحمة كما أنها غير مشروعة في هذه الحال، وكما أنه يُخشى من الفتنة فيما إذا كان الزحام مع امرأة، فهي أيضًا تُحدث تشويشاً في القلب والفكر، لأن الإنسان لا بد عند المزاحمة من أن يسمع كلاما يكرهه، فتجده يشعر بامتعاض وغضب على نفسه إذا فارق هذا المحل.

والذي ينبغي للطائف أن يكون دائما في هدوء وطمأنينة، من أجل أن يستحضر ما هو متلبس به من طاعة الله، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله.

الثالث:

أن بعض الناس يظنون أن الطواف لا يصح بدون تقبيل الحجر، وأن تقبيل الحجر شرط لصحة الطواف، ولصحة الحج أيضًا أو العمرة، وهذا ظن خطأ، وتقبيل الحجر سنة وليست سنة مستقلة أيضًا، بل هي سنة للطائف، ولا أعلم أن تقبيل الحجر يسن في غير الطواف، وعلى هذا فإذا كان تقبيل الحجر سنة وليس بواجب ولا شرط، فإن من لم يقبل الحجر لا نقول إن طوافه غير صحيح أو إن طوافه ناقص نقصا يأثم به؛ بل طوافه صحيح وإذا وُجد زحام شديد فإن الإشارة أفضل من الاستلام؛ لأنه هو العمل الذي فعله الرسول صلى الله عليه وسلم عند الزحام، ولأن الإنسان يتقي به أذى يكون منه لغيره، أو يكون من غيره له.

فلو سألنا سائل وقال: إن المطاف مزدحم فماذا ترون: هل الأفضل أن أُزاحم فأستلم الحجر وأقبله، أم الأفضل أن أشير إليه؟

قلنا: الأفضل أن تشير إليه؛ لأن السنة هكذا جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.

الرابع:

تقبيل الركن اليماني. وتقبيل الركن اليماني لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعبادة إذا لم تثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي بدعة وليست بقربة، وعلى هذا فلا يشرع للإنسان أن يقبل الركن اليماني، لأن ذلك لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما ورد فيه حديث ضعيف لا تقوم به الحجة.

الخامس:

بعض الناس عندما يمسح الحجر الأسود أو الركن اليماني يمسحه بيده اليسرى كالمتهاون به، وهذا خطأ فإن اليد اليمنى أشرف من اليد اليسرى، واليد اليسرى لا تُقدَّم إلا للأذى، كالاستنجاء بها والاستجمار بها، والامتخاط بها وما أشبه ذلك، وأما مواضع التقبيل والاحترام، فإنه يكون لليد اليمنى.

السادس:

أنهم يظنون أن استلام الحجر والركن اليماني للتبرك لا للتعبد، فيتمسحون به تبركًا وهذا بلا شك خلاف ما قصد به، فإن المقصود بالتمسح بالحجر الأسود أو بمسحه وتقبيله تعظيم الله عز وجل، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استلم الحجر قال: الله أكبر، إشارة إلى أن المقصود بهذا تعظيم الله عز وجل، وليس المقصود التبرك بمسح هذا الحجر، ولهذا قال أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه عند استلامه الحجر: والله إني لأعلم أنك حجر، لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك.

هذا الظن الخاطئ من بعض الناس- وهو أنهم يظنون أن المقصود بمسح الركن اليماني والحجر الأسود التبرك- أدى ببعضهم إلى أن يأتي بابنه الصغير فيمسح الركن أو الحجر بيده، ثم يمسح ابنه الصغير أو طفله بيده التي مسح بها الحجر أو الركن اليماني، وهذا من الاعتقاد الفاسد الذي يجب أن يُنهى عنه، وأن يُبَيَّن للناس أن مثل هذه الأحجار لا تضر ولا تنفع، وأن المقصود بمسحها تعظيم الله عز وجل وإقامة ذكره، والاقتداء برسوله صلى الله عليه وسلم.

....

وكل هذه الأمور وأمثالها مما لا شرعية فيه، بل هو بدعة ولا ينفع صاحبه بشيء؛ لكن إن كان صاحبه جاهلا ولم يطرأ على باله أنه من البدع، فيُرجى أن يعفى عنه، وإن كان عالمًا أو متهاونًا لم يسأل عن دينه، فإنه يكون آثما.

السابع:

أن بعض الناس يخصص كل شوط بدعاء معين، وهذا من البدع التي لم ترد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يخص كل شوط بدعاء، ولا أصحابه أيضًا، وغاية ما في ذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول بين الركن اليماني والحجر الأسود: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) وقال صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الطواف بالبيت والصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله) .

وتزداد هذه البدع خطأ، إذا حمل الطائف كتيبا، كُتب فيه لكل شوط دعاء، وهو يقرأ هذا الكتيب، ولا يدري ماذا يقول؛ إما لكونه جاهلا باللغة العربية، ولا يدري ما المعنى، وإما لكونه عربيًا ينطق باللغة العربية ولكنه لا يدري ما يقول، حتى إننا نسمع بعضهم يدعو بأدعية هي في الواقع مُحرَّفة تحريفًا بينًا، من ذلك أننا سمعنا من يقول: اللهم أغنني بجلالك عن حرامك، والصواب: بحلالك عن حرامك.

ومن ذلك أيضًا أننا نشاهد بعض الناس يقرأ هذا الكتيب، فإذا انتهى دعاء الشوط وقف ولم يدع في بقية شوطه، وإذا كان المطاف خفيفًا، وانتهى الشوط قبل انتهاء الدعاء، قطع الدعاء.

ودواء ذلك أن نبين للحجاج، بأن الإنسان في الطواف يدعو بما شاء وبما أحب، ويذكر الله تعالى بما شاء، فإذا بُيِّن للناس هذا زال الإشكال.

حكم من وقع في هذه البدع:

الناس في هذه الأمور التي يفعلونها:

إما جاهل جهلاً مطبقًا لا يطرأ بباله أن هذا محرم، فهذا يُرجى أن لا يكون عليه شيء.

وإما عالم متعمد ليَضلَّ ويُضلَّ الناس، فهذا آثم بلا شك وعليه إثم من اتبعه واقتدى به.

وإما رجل جاهل ومتهاون في سؤال أهل العلم، فيُخشى أن يكون آثما بتفريطه وعدم سؤاله.

هذه الأخطاء التي سقناها في الطواف نرجو الله سبحانه وتعالى أن يهدي إخواننا المسلمين لإصلاحها، حتى يكون طوافهم موافقا لما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم. وليس الدين يؤخذ بالعاطفة والميل، ولكنه يؤخذ بالتلقي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

[الْمَصْدَرُ]

انتهى من دليل الأخطاء التي يقع فيها الحاج والمعتمر للشيخ ابن عثيمين رحمه الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>