للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

نذر أن يكفل أسرة العامل ثم لم يجد الوفاء

[السُّؤَالُ]

ـ[كان لدى أحدهم عامل، ومات العامل رحمه الله على رأس العمل، وبما أنه كان يرسل لأهله مبلغ (٥٠٠) ريال شهريا، فقد نذر كفيله أن يرسلها لأهله بعد وفاته، ولا يدعهم يفتقدون له، ومع مرور الأيام والسنين، أصبحت لديه بعض الظروف التي تَحُولُ بينه وبين الوفاء بنذره، فماذا عليه الآن؟ هل هو ملزم بإرسال هذا المبلغ كل شهر ويضغط على نفسه، حتى لو تدين المبلغ، أم يكفر عن نذره، أم ماذا يفعل؟ وإن كان هناك كفارة فما هي، وكيف يخرجها؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

من نذر نذر طاعة وجب عليه الوفاء به، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلا يَعْصِهِ) رواه البخاري (٦٢٠٢) .

فإن عجز عن الوفاء به رُفع عنه الإثم والحرج، ولم يكن مقصرا في حق الله تعالى، لقول الله تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَاّ وُسْعَهَا) البقرة/٢٨٦.

قال الجصّاص: في هذه الآية نصّ على أنّ الله تعالى لا يكلّف أحداً ما لا يقدر عليه ولا يطيقه، ولو كلّف أحداً ما لا يقدر عليه ولا يستطيعه لكان مكلّفاً له ما ليس في وسعه " انتهى.

لكن ارتفاع الإثم لا يعني ارتفاع المطالبة ببدل للنذر، فالعجز عن الوفاء به عذرٌ ينقل الناذر إلى البدل، وهو هنا الكفارة، فإن قاعدة الأيمان والنذور في هذا الشأن واحدة، وهي وجوب الكفارة عند الحنث، ولو كان بعذر.

فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:

(النذور أربعة: من نذر نذرا لم يسمه فكفارته كفارة يمين، ومن نذر في معصية فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرا فيما لا يطيق فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرا فيما يطيق فليوف بنذره) . رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (٣/٤٧٢) ورواته ثقات، وروي مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن الأصح أنه من كلام ابن عباس رضي الله عنهما. كما قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (١١/٥٨٧) .

وقال ابن قدامة في "المغني" (١٠/٧٢) :

"من نذر طاعة لا يطيقها، أو كان قادرا عليها، فعجز عنها، فعليه كفارة يمين " انتهى.

فالذي نذر أن يتصدق بمبلغ معين كل شهر، وجب عليه الوفاء بذلك.

فإن عجز في بعض الأشهر فلا إثم عليه، وعليه كفارة يمين، ثم إن أغناه الله بعد ذلك فعليه التصدق بما أوجبه على نفسه، لأن هذا الحق يتجدد كل شهر، كما ألزم نفسه بذلك.

وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: لقد نذرت إن توظفت أن أدفع مبلغ (٦٠٠) ريال كفالة يتيم عن والدي ووالدتي، وذلك في كل شهر، وبعد ذلك كفلت يتيما واحدا لمدة سنة ونصف بواقع (٢٤٠٠) سنويا، ثم انقطعت لظروف مالية، والآن وبعد انقطاعي وعزمي مرة أخرى على كفالة يتيم حسب المبلغ المتراكم فوجدته (٢٥٠٠٠) ريالا.

فسؤالي لسماحتكم: ماذا علي أن أفعل؟

فأجابوا:

"يجب عليك الوفاء بنذرك؛ لأنه نذر طاعة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه) ، وعليك قضاء المبلغ عن الأشهر التي لم تخرجي عنها شيئا؛ لأنها واجبة عليك بالنذر، تقبل الله منك، وأخلف عليك ما هو أكثر وأنفع، وقد قال الله سبحانه:

(وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) .

ونوصيك مستقبلا بعدم النذر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تنذروا؛ فإن النذر لا يرد من قدر الله شيئا، وإنما يستخرج به من البخيل) متفق على صحته" انتهى.

"فتاوى اللجنة الدائمة" (٢٣/٣٤٢) .

وخلاصة الجواب:

يجب عليه الاستمرار في الوفاء بالنذر، ولا يجوز له التهاون في ذلك.

أما الأشهر الماضية التي لم يرسل لهم فيها هذا المبلغ، فإن كان ترك ذلك عجزاً لكونه ليس معه مال فلا شيء عليه إلا كفارة يمين، وإن كان ترك ذلك تهاوناً فعليه قضاء ما فات، فيحسب المبلغ الذي لم يدفعه ثم يرسله إليهم.

وانظر جواب السؤال رقم (٤٢١٧٨) ، (١٠٤٠٥٩) .

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>