للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تنظيم لقاء استذكاري للمتوفى

[السُّؤَالُ]

ـ[لدينا جمعية تهتم بكفالة اليتيم، وتقوم الجمعية بدور الوسيط بين المحسنين وأسر اليتامى. منذ حوالي شهرين توفي رئيس الجمعية رحمه الله، وكان مثالا في التضحية والوفاء وبذل الغالي والرخيص من أجل إدخال البهجة والسرور على أسر اليتامى. فكر الإخوة في مكتب الجمعية بتنظيم لقاء استذكاري للفقيد، ليس حفل تأبين، ولا الأربعين، أبدا، قرر المكتب أن يكون محور هذا اللقاء حول التذكير بدوره في العمل الخيري، كما قرروا تقديم شهادة تقدير لأهله اعترافا بالجهود التي بذلها الفقيد. ويتضمن اللقاء ورقة تعريفية عن الجمعية: الأنشطة والمنجزات. السؤال: هل هناك من حظر شرعي في تنظيم هذا اللقاء؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

إقامة المحاضرات والندوات واللقاءات للحديث عن المتوفى من العلماء أو الصالحين أو أهل الخير والإحسان جائز لا حرج فيه.

ولكن ينبغي التقيد بالشروط الآتية:

١- أن يكون الغرض منها حث الناس على الخير، وشكر أهله، والاستفادة من الجوانب المنيرة في حياة الشخصية المتحدث عنها، وتعريف الناس بها لتشجيعهم على الاقتداء بأخلاقها وفضائلها.

ولا يكون الغرض إثارة الأحزان والأشجان، وتذكر المصائب والآلام، لاستنزال الدموع واستثارة القلوب، فليست هذه الأمور من الشريعة في شيء، بل هي مضادة لما ندبت إليه من الصبر على المصائب، والرضا بقضاء الله وقدره.

٢- ألا تجعل هذه اللقاءات عيدا يتكرر في كل عام، فإن المسلمين لا عيد لهم إلا عيد الفطر وعيد الأضحى فقط، ولا يجوز استحداث أي عيد في أي مناسبة غير ما جاء في الشرع.

٣- أن يقتصر على كلمة الحق وقول الصدق، من غير مبالغة ولا مفاخرة، فإذا كان المتوفى مِن أهل الصلاح والعلم والخير يذكر ما قدمه لأمته ودينه، ولا يراد بهذا الذكر إلا وجه الله تعالى وحث الناس على الخير، وليس التقرب لمنصب ولا التزلف لولاية ولا التعصب لحزب أو جماعة، وأما إن كان من أهل المعاصي والشبهات، أو ممن خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا فلا يجوز تغرير الأمة بأمثالهم، ولا يحل الكذب في مدحهم والثناء عليهم بما ليس فيهم، والواجب تفويض أمرهم إلى الله تعالى.

٤- ألا يصاحب هذه اللقاءات شيء من المنكرات، من عادات النياحة أو تعليق الصور أو استعمال المعازف، كما لا يجوز ربط هذه اللقاءات بليالي محددة كالأسبوع أو الأربعين ونحوها من الخرافات المنتشرة بين العوام.

جاء في "الفتاوى الفقهية الكبرى" لابن حجر الهيتمي (٢/١٨) :

" قول ابن عبد السلام: بعض المراثي حرام، كالنوح؛ لما فيه من التبرم بالقضاء، إلا إذا ذكر مناقب عالم ورع أو صالح للحث على سلوك طريقته وحسن الظن به، بل هي حينئذ بالطاعة والموعظة أشبه، لما ينشأ عنها من البر والخير، ومن ثَمَّ ما زال كثير من الصحابة وغيرهم من العلماء يفعلونها على ممر الأعصار من غير إنكار " انتهى.

وجاء في تهذيب وترتيب ابن الشاط لكتاب "الفروق" للقرافي (٢/١٨٠-١٨٢) :

" الْحَقُّ أَنَّ كُلًّا مِنْ النُّوَاحِ وَالْمَرَاثِي عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: حَرَامٌ كَبِيرَةٌ، وَحَرَامٌ صَغِيرَةٌ، وَمُبَاحٌ، وَمَنْدُوبٌ.

أَمَّا ضَابِطُ مَا هُوَ حَرَامٌ كَبِيرَةٌ مِنْ النُّوَاحِ وَالْمَرَاثِي:

فكل كلام يقرر في النفوس نسبة الرب سبحانه وتعالى إلى الظلم في قضائه وقدره، حيث يبالغ في تعداد فضائل الميت ومناقبه وأعماله التي انقطعت بموته، مما يعني أن موته كان مفسدة عظيمة، وأن الأصلح كان بقاؤه حيا.

وَأَمَّا ضَابِطُ مَا هُوَ حَرَامٌ صَغِيرَةٌ:

فكل كلام يهيج الأحزان ويؤدي إلى الضجر وعدم الصبر، وقد يؤدي إلى ضرب الخدود أو شق الثياب.

وَأَمَّا ضَابِطُ مَا هُوَ مُبَاحٌ مِنْ النُّوَاحِ وَالْمَرَاثِي:

فكل كلام ليس فيه إلا ذكر دين الميت وأنه انتقل إلى دار الجزاء، وأن جميع الخلق سيواجهون المصير نفسه.

وَأَمَّا ضَابِطُ الْمَنْدُوبِ مِنْ النُّوَاحِ وَالْمَرَاثِي:

فكل كلام فيه أمر أهل الميت بالصبر وحثهم عليه " انتهى باختصار وتصرف.

وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:

ما أصل الذكرى الأربعينية، وهل هناك دليل على مشروعية التأبين؟

" أولا: الأصل فيها أنها عادة فرعونية، كانت لدى الفراعنة قبل الإسلام، ثم انتشرت عنهم وسرت في غيرهم، وهي بدعة منكرة لا أصل لها في الإسلام، يردها ما ثبت من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) رواه البخاري (٢٥٥٠) .

ثانيا: تأبين الميت ورثاؤه على الطريقة الموجودة اليوم؛ من الاجتماع لذلك، والغلو في الثناء عليه، لا يجوز؛ لما رواه أحمد وابن ماجه وصححه الحاكم من حديث عبد الله بن أبي أوفى قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المراثي.

ولما في ذكر أوصاف الميت من الفخر غالبا، وتجديد اللوعة وتهييج الحزن.

وأما مجرد الثناء عليه عند ذكره، أو مرور جنازته، أو للتعريف به بذكر أعماله الجليلة ونحو ذلك مما يشبه رثاء بعض الصحابة لقتلى أحد وغيرهم، فجائز؛ لما ثبت عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (مروا بجنازة فأثنوا عليها خيرا. فقال صلى اله عليه وسلم: وجبت، ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شرا فقال: وجبت. فقال عمر رضي الله عنه: ما وجبت؟ قال: هذا أثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرا فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض) – متفق عليه – " انتهى.

"فتاوى اللجنة الدائمة" (٩/١٥٤-١٥٥) .

وقد استحب بعض أهل العلم المعاصرين أن يكون تنظيم هذه اللقاءات والمحاضرات بعد فترة طويلة من الوفاة، كي لا تتجدد الأحزان.

فقد سئل الشيخ ابن عثيمين: يتم في بعض المساجد تخصيص خطبة يذكر فيها محاسن الميت ومآثره، مثل عالم أو داعية، فما حكم هذا الفعل؟

الجواب:

"رأيي ألا يفعل؛ لأنها في قرب موت العالم أو الداعية تعتبر من النعي , ولهذا تُهَيِّج الناس ويبكون , أما لو كان بعد مدة طويلة وبعد ما تنسى المصيبة وتذكر مآثره كتاريخ له فهذا لا بأس به , لأن العلماء كلهم يكتب عنهم مآثرهم وآثارهم , أما أن يقصد بها التهييج والتحزن على فقد هذا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النعي، وهو من النعي , وإذا جاءت بِرَنَّةٍ معينة صار من الندب أيضاً " انتهى.

"لقاءات الباب المفتوح" (لقاء رقم/٢٠٧، سؤال رقم/١٥) .

والحاصل: أن تنظيمكم اللقاء الاستذكاري للحديث عن رئيس الجمعية لا حرج فيه إذا التزمت الشروط السابقة.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>