للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حكم النعي على منارات المساجد في مكبرات الصوت

[السُّؤَالُ]

ـ[هل الإشهار بموت إنسان في المسجد حرام؟.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النعي، والمراد من هذا النهي ما كان أهل الجاهلية يفعلونه، حيث كانوا يرسلون من يعلن موت الميت رافعاً صوته بذلك، ولذلك ذهب جمهور العلماء إلى أن النعي إذا تضمن رفعاً للصوت كان منهيا عنه.

وذهب جماعة من الحنفية إلى أنه لا يكره النداء على الميت في الأزقة والأسواق إذا كان نداء مجرداً عن ذكر المفاخر.

قالوا: لأن في ذلك تكثيراً لجماعة المصلين والمستغفرين للميت، وليس مثله نعي الجاهلية، فإنهم كانوا يبعثون إلى القبائل ينعون مع ضجيج وبكاء وعويل وتعديد ونياحة.

وأجيب عن هذا بأن مقصود تكثير الجماعة من المصلين والمستغفرين للميت يمكن حصوله دون النداء ورفع الصوت.

ثم إن رفع الصوت في الإعلام بموت الميت يشبه من حيث الصورة نعي الجاهلية الذي ورد النهي عنه.

انظر: "العناية شرح الهداية" (٣/٢٦٧) ، "فتح القدير" (٢/١٢٨) ، "الخرشي على مختصر خليل" (٢/١٣٩) ، "المهذب" (١/١٣٢) ، "الشرح الكبير" (٦/٢٨٧) ، "فتح الباري" (٣/١١٧) .

قال الصنعاني في "سبل السلام" (١/٤٨٢) :

" وفي النهاية: والمشهور في العرب أنهم كانوا إذا مات فيهم شريف أو قتل بعثوا راكبا إلى القبائل ينعاه إليهم، يقول: نعاء فلانا أو يا نعاء العرب، هلك فلان أو هلكت العرب بموت فلان.

ثم قال الصنعاني: ويقرب عندي أن هذا هو المنهي عنه، ومنه: النعي من أعلى المنارات كما يعرف في هذه الأمصار في موت العظماء " انتهى.

وقال الشيخ الألباني رحمه الله في بيان ما يحرم على أقارب الميت:

الإعلان عن موته على رؤوس المنائر ونحوها؛ لأنه من النعي، وقد ثبت عن حذيفة بن اليمان أنه: كان إذا مات له الميت قال: لا تؤذنوا به أحداً، إني أخاف أن يكون نعياً، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن النعي ...

والنعي لغة: هو الإخبار بموت الميت، فهو على هذا يشمل كل إخبار، ولكن قد جاءت أحاديث صحيحة تدل على جواز نوع من الإخبار، وقيد العلماء بها مطلق النهي، وقالوا: إن المراد بالنعي الإعلان الذي يشبه ما كان عليه أهل الجاهلية من الصياح على أبواب البيوت والأسواق ... .

وقال الحافظ: " وفائدة هذه الترجمة الإشارة إلى أن النعي ليس ممنوعاً كله، وإنما نهى عما كان أهل الجاهلية يصنعونه، فكانوا يرسلون من يعلن بخبر موت الميت على أبواب الدور والأسواق ".

قلت (الألباني) : وإذا كان هذا مسلَّما: فالصياح بذلك على رؤوس المنائر يكون نعياً من باب أولى، ولذلك جزمنا به، وقد يقترن به أمور أخرى هي في ذاتها محرمات أخر، مثل أخذ الأجرة على هذا الصياح! ومدح الميت بما يعلم أنه ليس كذلك، كقولهم: " الصلاة على فخر الأماجد المكرمين، وبقية السلف الكرام الصالحين! ".

"أحكام الجنائز" (ص ٤٤– ٤٦) باختصار.

هذا إذا كان المقصود من السؤال إشهار النعي على المنائر بمكبرات الصوت.

إما إذا كان المقصود من ذلك مجرد إعلام المصلين في المسجد من غير رفعٍ للصوت، فلا حرج في ذلك إن شاء الله، وهذا يشبه ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم بعد موت النجاشي، حيث أعلم بموته الصحابة ونعاه من أجل الصلاة عليه.

روى البخاري (١٣٣٣) ومسلم (٩٥١) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى الْمُصَلَّى فَصَفَّ بِهِمْ، وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ. وفي رواية للبخاري (١٣٢٨) (نَعَى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّجَاشِيَّ صَاحِبَ الْحَبَشَةِ يَوْمَ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَقَالَ: اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ) .

قال النووي في "شرح مسلم":

" فِيهِ: اِسْتِحْبَاب الإِعْلام بِالْمَيِّتِ لا عَلَى صُورَة نَعْي الْجَاهِلِيَّة , بَلْ مُجَرَّد إِعْلام للصَّلاة عَلَيْهِ وَتَشْيِيعه وَقَضَاء حَقّه فِي ذَلِكَ , وَاَلَّذِي جَاءَ مِنْ النَّهْي عَنْ النَّعْي لَيْسَ الْمُرَاد بِهِ هَذَا , وَإِنَّمَا الْمُرَاد نَعْي الْجَاهِلِيَّة الْمُشْتَمِل عَلَى ذِكْر الْمَفَاخِر وَغَيْرهَا " انتهى.

وانظر السؤال (٦٠٠٠٨) .

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>