للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بعض أحكام الجهاد ودرجات الشهداء وحياتهم بعد الموت

[السُّؤَالُ]

ـ[نرجو من فضلتكم إفادتنا وبشيء من التفصيل حول موضوع " الجهاد في سبيل الله " وذلك من خلال المحاور التالية: ١. مفهوم الجهاد لغة وشرعاً؟ ٢. الشهادة لغة وشرعاً؟ ٣. درجات الشهداء وأنواعها؟ ٤. حياة الشهداء عند ربهم؟ ٥. تأثير إذن الإمام في إعلان الجهاد؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

الجهاد لغةً: بذل واستفراغ ما في الوسع والطاقة من قول أو فعل.

وشرعاً: بذل الجهد من المسلمين في قتال الكفار لإعلاء كلمة الله.

انظر " النهاية في غريب الحديث " لابن الأثير الجزري (١ / ٣١٩) ، و " المصباح المنير " (١ / ١١٢) و"أهمية الجهاد" للدكتور علي بن نفيع العلياني.

ثانياً:

الشهادة لغةً: تطلق على عدة معان: الخبر القاطع , والحضور والمعاينة والعلانية , والموت في سبيل الله.

وشرعاً: من مات من المسلمين في قتال الكفار وبسببه، ويلحق به في أمور الآخرة أنواع كما سيأتي بيانه.

انظر " الموسوعة الفقهية " (٢٦ / ٢١٤ و ٢٧٢) .

ثالثاً:

الشهداء أقسام:

قال النووي رحمه الله:

" واعلم أن الشهيد ثلاثة أقسام:

أحدها: المقتول في حرب الكفار بسبب من أسباب القتال، فهذا له حكم الشهداء في ثواب الآخرة وفى أحكام الدنيا، وهو أنه لا يغسل ولا يصلى عليه.

والثاني: شهيد في الثواب دون أحكام الدنيا، وهو المبطون والمطعون وصاحب الهدم ومن قتل دون ماله وغيرهم ممن جاءت الأحاديث الصحيحة بتسميته شهيداً، فهذا يغسل ويصلى عليه , وله في الآخرة ثواب الشهداء، ولا يلزم أن يكون مثل ثواب الأول.

والثالث: من غلَّ في الغنيمة وشبهه ممن وردت الآثار بنفي تسميته شهيداً إذا قتل في حرب الكفار، فهذا له حكم الشهداء في الدنيا فلا يغسل ولا يصلى عليه , وليس له ثوابهم الكامل في الآخرة " انتهى.

" شرح النووي على مسلم " (٢ / ١٦٤) .

درجات الشهداء:

مرتبة الشهداء مرتبة عظيمة تلي مرتبة النبيين والصدِّيقين:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

" وقد قال تعالى (فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين) وهذه الأربعة هي مراتب العباد، أفضلهم: الأنبياء ثم الصديقون ثم الشهداء ثم الصالحون " انتهى.

"مجموع الفتاوى" (٢ / ٢٢٣) .

وقد جعل الله تعالى الجنة درجات، وللمجاهدين منها مائة درجة كما جاء في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، فالشهداء ليسوا في منزلة واحدة بل يتفاوتون في منازلهم.

قال ابن حجر رحمه الله بعد أن عدَّد الشهداء غير من قتل في المعركة:

" وقد اجتمع لنا من الطرق الجيدة أكثر من عشرين خصلة ... .

قال ابن التين: هذه كلها ميتات فيها شدة، تفضَّل الله على أمة محمد صلى الله عليه وسلم بأن جعلها تمحيصاً لذنوبهم، وزيادة في أجورهم، يبلغهم بها مراتب الشهداء.

قلت (ابن حجر) : والذي يظهر أن المذكورين ليسوا في المرتبة سواء، ويدل عليه ما روى أحمد وابن حبان في صحيحه من حديث جابر والدارمي وأحمد والطحاوي من حديث عبد الله بن حبشي وابن ماجه من حديث عمرو بن عنبسة (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي الجهاد أفضل؟ قال: من عُقر جوادُه وأُهريق دمه) " انتهى.

" فتح الباري " (٦ / ٤٣، ٤٤) باختصار.

وقد ورد في السنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يبيِّن هذا التفاوت بين الشهداء , ومن ذلك:

أ. عَنْ نُعَيْمِ بْنِ هَمَّارٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الشُّهَدَاءِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: (الَّذِينَ إِنْ يُلْقَوْا فِي الصَّفِّ لا يَلْفِتُونَ وُجُوهَهُمْ حَتَّى يُقْتَلُوا , أُولَئِكَ يَنْطَلِقُونَ فِي الْغُرَفِ الْعُلَى مِنْ الْجَنَّةِ , وَيَضْحَكُ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ , وَإِذَا ضَحِكَ رَبُّكَ إِلَى عَبْدٍ فِي الدُّنْيَا فَلا حِسَابَ عَلَيْهِ) .

رواه أحمد (٢١٩٧٠) ، وصححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة " (٢٥٥٨) .

ب. عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السُّلَمِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْقَتْلى ثَلاثَةٌ: رَجُلٌ مُؤْمِنٌ قَاتَلَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا لَقِيَ الْعَدُوَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى يُقْتَلَ , فَذَلِكَ الشَّهِيدُ الْمُفْتَخِرُ فِي خَيْمَةِ اللَّهِ تَحْتَ عَرْشِهِ , لا يَفْضُلُهُ النَّبِيُّونَ إِلا بِدَرَجَةِ النُّبُوَّةِ، وَرَجُلٌ مُؤْمِنٌ قَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا جَاهَدَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا لَقِيَ الْعَدُوَّ قَاتَلَ حَتَّى يُقْتَلَ مُحِيَتْ ذُنُوبُهُ وَخَطَايَاهُ , إِنَّ السَّيْفَ مَحَّاءُ الْخَطَايَا , وَأُدْخِلَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَ , فَإِنَّ لَهَا ثَمَانِيَةَ أَبْوَابٍ , وَلِجَهَنَّمَ سَبْعَةَ أَبْوَابٍ , وَبَعْضُهَا أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ، وَرَجُلٌ مُنَافِقٌ جَاهَدَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ حَتَّى إِذَا لَقِيَ الْعَدُوَّ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يُقْتَلَ فَإِنَّ ذَلِكَ فِي النَّارِ , السَّيْفُ لا يَمْحُو النِّفَاقَ) .

رواه أحمد (١٧٢٠٤) وجوَّد إسنادَه المنذري في " الترغيب والترهيب " (٢ / ٢٠٨) وحسنه الألباني في " صحيح الترغيب " (١٣٧٠) .

ج. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُبْشِيٍّ الْخَثْعَمِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ: أَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: (مَنْ جَاهَدَ الْمُشْرِكِينَ بِمَالِهِ وَنَفْسِهِ) قِيلَ: فَأَيُّ الْقَتْلِ أَشْرَفُ؟ قَالَ: مَنْ أُهَرِيقَ دَمُهُ وَعُقِرَ جَوَادُهُ. رواه أبو داود (١٤٤٩) والنسائي (٢٥٢٦) . وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " (١٣١٨) .

د. عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب , ورجل قام إلى أمام جائر فأمره ونهاه , فقتله) رواه الحاكم وصححه الألباني في "السلسة الصحيحة" (٣٧٤) .

رابعاً:

وأما حياة الشهداء عند ربهم فهي حياة برزخية، يُكرمهم فيها ربهم بنعيم الجنة، وهم متفاوتون فيها بتفاوت أعمالهم في الدنيا ونياتهم.

قال الله تعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَاّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) آل عمران/ ١٦٩-١٧١.

وقال تعالى: (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ) البقرة/١٥٤.

قال الشيخ ابن عثيمين:

" والمراد: أحياء عند ربهم، كما في آية آل عمران؛ وهي ياة برزخية لا نعلم كيفيتها؛ ولا تحتاج إلى أكل، وشرب، وهواء، يقوم به الجسد؛ ولهذا قال تعالى: (ولكن لا تشعرون) أي: لا تشعرون بحياتهم؛ لأنها حياة برزخية غيبية؛ ولولا أن الله عزّ وجلّ أخبرنا بها ما كنا نعلم بها ...

ومن فوائد الآية: إثبات حياة الشهداء؛ لكنها حياة برزخية لا تماثل حياة الدنيا؛ بل هي أجلّ، وأعظم، ولا تعلم كيفيتها " انتهى.

" تفسير سورة البقرة " (٢ / ١٧٦، ١٧٧) .

وقال ابن رجب الحنبلي رحمه الله تحت باب " في ذكر محل أصحاب أرواح الموتى في البرزخ " -:

" وأما الشهداء: فأكثر العلماء على أنهم في الجنة، وقد تكاثرت بذلك الأحاديث:

ففي صحيح مسلم (١٨٨٧) عن مسروق قال: سألْنا عبدَ الله بن مسعود عن هذه الآية (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) قال: أما إنا قد سألنا عن ذلك فقال: (أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل) . . . .

وخرج الإمام أحمد وأبو داود والحاكم – وحسَّنه الألباني في " صحيح الترغيب " (١٣٧٩) - من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة , وتأكل من ثمارها , وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش , فلما وجدوا مأكلهم ومشربهم ومقلبهم قالوا: من يبلغ عنا إخواننا أنا أحياء في الجنة نرزق , لئلا ينكلوا عن الحرب , ولا يزهدوا في الجهاد , قال: فقال الله تعالى: أنا أبلغهم عنكم فأنزل الله تعالى: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون)) .

وخرَّج الترمذي والحاكم - وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " (١٣٧٦٢) - من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رأيت جعفر بن أبي طالب ملكاً يطير في الجنة مع الملائكة بجناحين) " انتهى.

" أهوال القبور " (ص ٩٢ – ١٠٤) ط دار الكتاب العربي.

خامساً:

وأما استئذان الإمام في الجهاد، فقد سبق في جواب السؤال (٦٩٧٤٦) أن الكفار إذا هاجموا المسلمين، صار الجهاد فرض عين، وحينئذ لا يشترط إذن الإمام.

أما الجهاد الذي يقصد منه الفتح ونشر الإسلام فلا بد فيه من إذن الإمام.

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>