للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الجهاد بالمال واجب على الأغنياء

[السُّؤَالُ]

ـ[أنا امرأة مسلمة عندي أموال كثيرة والحمد لله، فهل يجب عليّ أن أدفع من هذه الأموال للمسلمين المضطهدين الذين يحاول الأعداء احتلال أرضهم وقتلهم كما في الشيشان وفي فلسطين وغيرهما من بلاد المسلمين؟.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

الواجب على المسلمين مساعدة إخوانهم المضطهدين في كل مكان، قال الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) الحجرات /١٠. وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ وَلا يُسْلِمُهُ) . رواه البخاري (٢٤٤٢) ومسلم (٢٥٨٠) . وزاد مسلم في حديث آخر (٢٥٤٦) : (وَلا يَخْذُلهُ) .

قال الحافظ:

(وَلا يُسْلِمُهُ) أَيْ لا يَتْرُكُهُ مَعَ مَنْ يُؤْذِيه وَلا فِيمَا يُؤْذِيه , بَلْ يَنْصُرُهُ وَيَدْفَعُ عَنْهُ. . . وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ وَاجِبًا وَقَدْ يَكُونُ مَنْدُوبًا بِحَسَبِ اِخْتِلاف الأَحْوَالِ اهـ.

وقَالَ فِي النِّهَايَةِ: أَسْلَمَ فُلانٌ فُلانًا إِذَا أَلْقَاهُ فِي التَّهْلُكَةِ , وَلَمْ يَحْمِهِ مِنْ عَدُوِّهِ اهـ من تحفة الأحوذي.

وقال النووي:

(لا يَخْذُلهُ) قَالَ الْعُلَمَاء: الْخَذْل تَرْك الإِعَانَة وَالنَّصْر , وَمَعْنَاهُ إِذَا اِسْتَعَانَ بِهِ فِي دَفْع ظَالِم وَنَحْوه لَزِمَهُ إِعَانَته إِذَا أَمْكَنَهُ , وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْر شَرْعِيّ اهـ.

والجهاد في الشيشان وفلسطين ونحوهما من البلاد الإسلامية المحتلة أو التي يحاول الكفار احتلالها والاستيلاء عليها من باب جهاد الدفع. وقد سبق بيان حكمه في إجابة السؤال رقم (٣٤٨٣٠) .

وإذا لم يستطع الرجل نصرة إخوانه المسلمين بنفسه فإنه يلزمه أن ينصرهم ويجاهد معهم بماله إن كان غنياًّ.

وكذلك المرأة يجب عليها الجهاد بمالها.

والجهاد بالمال قرين الجهاد بالنفس في كتاب الله.

قال تعالى: (انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُون َ) التوبة /٤١.

وقال: (لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيما ً) النساء /٩٥.

وقال: (الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) التوبة/٢٠.

وقال: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) الحجرات /١٥.

وروى أبو داود (٢٥٠٤) عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ) . صحيح أبي داود (٢١٨٦) .

قال الصنعاني في "سبل السلام" (٤/٨٧) :

الْحَدِيث دَلِيل عَلَى وُجُوب الْجِهَاد بِالنَّفْسِ، وَهُوَ بِالْخُرُوجِ وَالْمُبَاشَرَة لِلْكُفَّارِ , وَبِالْمَالِ وَهُوَ بَذْله لِمَا يَقُوم بِهِ مِنْ النَّفَقَة فِي الْجِهَاد وَالسِّلَاح وَنَحْوه , وَبِاللِّسَانِ بِإِقَامَةِ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ وَدُعَائهُمْ إِلَى اللَّه تَعَالَى، وبالأصوات عند اللقاء وَالزَّجْر وَنَحْوه مِنْ كُلّ مَا فِيهِ نِكَايَة لِلْعَدُوِّ اهـ.

وقال الشوكاني في "نيل الأوطار" (٨/٢٩) :

فيه دليل على وجوب المجاهدة للكفار بالأموال والأيدي والألسن. وقد ثبت الأمر القرآني بالجهاد بالأنفس والأموال في مواضع، وظاهر الأمر الوجوب اهـ.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في: الاختيارات" ص ٥٣٠:

"ومن عجز عن الجهاد ببدنه وقدر على الجهاد بماله وجب عليه الجهاد بماله، فيجب على الموسرين النفقة في سبيل الله.

وعلى هذا: فيجب على النساء الجهاد في أموالهن إن كان فيها فضل، وكذلك في أموال الصغار إن احتيج إليها كما تجب النفقات والزكاة. فأما إذا هجم العدو فلا يبقى للخلاف وجه، فإن دفع ضررهم عن الدين والنفس والحرمة واجب إجماعاً اهـ.

والنفقة في سبيل الله من أفضل الصدقات، وقد وعد الله تعالى صاحبها ثواباً جزيلاً، فقال: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) البقرة /٢٦١.

قال السعدي رحمه الله:

"مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله" أي: في طاعته ومرضاته، وأولاها إنفاقها في الجهاد في سبيله "كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة" وهذا إحضار لصورة المضاعفة بهذا المثل الذي كأن العبد يشاهده ببصره، فيشاهد هذه المضاعفة ببصيرته فيقوى شاهد الإيمان مع شاهد العيان فتنقاد النفس مذعنة للإنفاق سامحة بها مؤملة لهذه المضاعفة الجزيلة والمنة الجليلة "والله يضاعف" هذه المضاعفة "لمن يشاء" أي: بحسب حال المنفق وإخلاصه وصدقه وبحسب حال النفقة وحلها ونفعها ووقوعها موقعها ويحتمل أن يكون "والله يضاعف" أكثر من هذه المضاعفة "لمن يشاء" فيعطيهم أجرهم بغير حساب "والله واسع" الفضل واسع العطاء فلا يتوهم المنفق أن تلك المضاعفة فيها نوع مبالغة لأن الله تعالى لا يتعاظمه شيء ولا ينقصه العطاء على كثرته ومع هذا فهو "عليم" بمن يستحق هذه المضاعفة ومن لا يستحقها فيضع المضاعفة في موضعها لكمال علمه وحكمته" اهـ.

نسأل الله تعالى أن ينصر المسلمين على عدوهم.

والله تعالى أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>