للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حكم تسمية البريد الإلكتروني باسم المؤمن

[السُّؤَالُ]

ـ[أنشأت أول بريد الكتروني لي عندما كنت في الصف الثامن، وكنت حينها حريصة على أن يكون له مدلول إسلامي فسميّته باسم المؤمن، ثم بعد أن كبرت أدركت أن المؤمن من أسماء الله الحسنى، وأخشى أنني بذلك ارتكبت شركاً أو انتهكت حرمةً، فهل يجوز لي أن استمر في استخدام هذا البريد أم لا؟ وما توجيهكم؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولا:

قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) يونس/١٨٠.

قال الشيخ السعدي رحمه الله:

" هذا بيان لعظيم جلاله وسعة أوصافه بأن له الأسماء الحسنى، أي: له كل اسم حسن، وضابطه: أنه كل اسم دال على صفة كمال عظيمة، وبذلك كانت حسنى ...

وقوله: {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} أي: عقوبة وعذابا على إلحادهم في أسمائه.

وحقيقة الإلحاد: الميل بها عما جعلت له، إما بأن يسمى بها من لا يستحقها، كتسمية المشركين بها لآلهتهم، وإما بنفي معانيها وتحريفها، وأن يجعل لها معنى ما أراده الله ولا رسوله، وإما أن يشبه بها غيرها؛ فالواجب أن يُحذر الإلحادُ فيها، ويُحذر الملحدون فيها..".

"تفسير السعدي" (٣٠٩) باختصار.

وينظر: بدائع الفوائد لابن القيم (١/١٧٩) ، القواعد المثلى، لابن عثيمين (٢٥-٢٦) .

وبذلك يتبين أن لله تعالى أسماء، لا يستحقها غيره، وأن إطلاق هذه الأسماء على أحد من خلقه هو من الإلحاد في أسمائه، الذي يستحق صاحبه أن يجازى به عند ربه يوم القيامة.

ثانيا:

أسماء الله تعالى وصفاته، وإن كانت كلها مختصة به سبحانه من حيث المعنى؛ فلا يشبه أحدا من خلقه في شيء منها، بل ما ثبت له منها يليق بجلال الألوهية، وعظمة الربوبية، كما أن ما ثبت لخلقه يليق بحال العبودية؛ لكن مع ذلك قد ورد في الشرع تسمية الله تعالى بأسماء وصفات ورد إطلاقها على بعض خلقه، وهذا إنما هو من حيث اللفظ والتسمية فقط، وإلا فما يضاف إلى الله تعالى مختص به، لا يشركه فيه أحد من خلقه، كما أن ما يضاف إلى العبد هو مختص به، يليق بحاله.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

" ولهذا سمى الله نفسه بأسماء، وسمى صفاته بأسماء، وكانت تلك الأسماء مختصة به إذا أضيفت إليه، لا يشركه فيها غيره. وسمى بعض مخلوقاته بأسماء مختصة بهم، مضافة إليهم، توافق تلك الأسماء إذا قطعت عن الإضافة والتخصيص، ولم يلزم من اتفاق الاسمين وتماثل مسماهما واتحاده عند الإطلاق والتجريد عن الإضافة والتخصيص: اتفاقهما، ولا تماثل المسمى عند الإضافة والتخصيص، فضلا عن أن يتحد مسماهما عند الإضافة والتخصيص.

فقد سمى الله نفسه حيا فقال: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} ، وسمى بعض عباده حيا، فقال: {يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي} ، وليس هذا الحي مثل هذا الحي، لأن قوله (الحي) اسم لله مختص به، وقوله: {يخرج الحي من الميت} اسم للحي المخلوق مختص به، وإنما يتفقان إذا أطلقا وجردا عن التخصيص، ولكن ليس للمطلق مسمى موجود في الخارج، ولكن العقل يفهم من المطلق قدرا مشتركا بين المسميين، وعند الاختصاص يقيد ذلك بما يتميز به الخالق عن المخلوق، والمخلوق عن الخالق.

ولا بد من هذا فى جميع أسماء الله وصفاته، يفهم منها ما دل عليه الاسم بالمواطأة والاتفاق، وما دل عليه بالإضافة والاختصاص المانعة من مشاركة المخلوق للخالق في شيء من خصائصه - سبحانه وتعالى..

وسمى نفسه بالمؤمن المهيمن، وسمى بعض عباده بالمؤمن، فقال: {أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون} وليس المؤمن كالمؤمن " انتهى.

"مجموع الفتاوى" (٣/١٠-١٢) باختصار.

والحاصل: أنه لا حرج في التسمي بـ (المؤمن) من هذه الناحية؛ لأن اسم المؤمن ليس من الأسماء الخاصة بالله جل جلاله، والتي يمنع من تسمية الخلق بها، بل قد سمى الله سبحانه نفسه بالمؤمن في كتابه الكريم، وكذلك سمى بعض عباده بالمؤمنين، والمؤمنين؛ لكن ذلك لا يعني أن المعنى فيهما واحد، بل للخالق من الصفات ما يخصه ويليق به، لا يشاركه في حقيقته شيء من خلقه، ولخلقه ما يليق بهم من الأسماء والمعاني.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>