للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أخذ الفوائد الربويّة بنيّة التصدّق بها

[السُّؤَالُ]

ـ[تلقيت مؤخرا نصيحة من محاسب هو أخ لي في الإسلام، وقد تعلقت بمعاشي، وفيما يتعلق بحالة الانهيار المالي الواقع مؤخرا، وتمثلت النصيحة في تحويل التخصيص العقاري من أرباحي من الأسهم إلى نظام الفائدة الثابتة، واقترح صديقي أن أقوم بصرف الفائدة المكتسبة بعدئذ في أبواب الصدقات وبناء المساجد ... ، إلا أني لا أشعر بارتياح تجاه تلك النصيحة للأسباب القادمة، وإن كنت سأقدر لفضيلتكم تصحيحكم لما أراه من وجهات النظر، حيث أني أبلغ من العمر ٣٤ عاما، وليس محتملا أن أتقاعد في الوقت الحالي، ولدي عملي الثابت المستقر، كما أني أتمتع بصحة جيدة، وتحويلي للأموال إلى نظام الفائدة الثابتة، يعني بالضرورة أن أستثمرها في مجموعة العقارات بدون تحمّلي لعنصر المخاطرة، وبدون عنصر التملك بشرط الفائدة المضمونة بدون أيّ جهد مني، وعندما بدأت استثمار أموالي في مجموعة العقارات، فإني كنت أعرف أنّ الأسهم عرضة للفقدان، وقبلت بعنصر المخاطرة كمساهم. وأفهم في حدود فهمي المتواضع أنّ الحكمة في حرمة الفائدة هي كونها عائدا يحصل عليه المموّل دون أيّ عمل أو جهد منه. ويعمل المقترض لسداد دينه مضافاً إليها الفائدة، وعلى نطاق واسع، فإنّ أصحاب الأموال يتلقّون دخولاً كبيرة دون جهد أو عمل، بينما يضطر المقترضون للقيام بكلّ العمل والمهام، وهذا هو حال العمل في المصارف اليوم، حيث يجني أصحاب الأسهم مكاسب وأرباحا كبيرة هو نتاج جهد وعمل الطبقة العاملة. وتوزيع أي فائدة تم كسبها من تحويل الأموال إلى فائدة ثابتة لن يجعل الصفقة صحيحة؛ حيث إنّ الأمر كله بني على خطأ، ولفهم هذا الأمر فقد عقدت مقارنة بينها وبين مبادئ روبين هود، فكسب المال من مصدر بشكل غير شرعي وغير عادل، ثم توزيعه بعد ذلك على المحتاجين لن يصحّح من صورة العمل بأيّ حال. وسؤالي هو: هل أنا على حقّ في أنّ تحويل معاشي إلى نظام الفائدة الثابتة بنسبة ١٠٠% ليس هو الحل الأمثل، وليس فيه صالح ديني حتى في ضوء المناخ المالي الحاليّ؟ ضع في الاعتبار أنه ليس هناك تأمين مضاف على المعاش، ولو توفيت فإن المال الذي ساهمت به بجانب أرباحه هو فقط ما سيوزع على عائلتي. والاستثمار في الأسهم يتم مع شركات لا تعمل في مجال بيع الخمور، أو بيع التبغ، كما أنه وفقا للقانون الأسترالي فيجب أن يستثمر ٩% من الدخل في تمويل المعاش.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

إنّ الذي شرح الله إليه صدرك هو الحقّ، فالرّبا مخاطره كبيرة، وعواقبه وخيمة، وهو من المهلكات للأفراد والأمم، حتى لقد توعد الله صاحبه بالحرب، ولا يخفى عليك ما يعانيه العالم من الأزمة الماليّة من جراء التعامل بالرّبا، وما أعدّه الله لهم في الآخرة أشدّ وأبقى، نسأل الله السّلامة والعافية. قال الله تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) . [البقرة: ٢٧٥] ، وقال أيضاً: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) . [آل عمران: ١٣٠، ١٣١] .

ولا يجوز الدخول في العقود المحرمة، من الربا، والميسر، ونحو ذلك، ولو بينة التصدق بما يحصل للداخل فيها من العوائد، ولا يعفيه ذلك من إثم الدخول في هذه المعاملات، فإن الإثم لازم له ولو لم يحصل له منها شيء، بل يحصل له الإثم، وبنفس الدرجة، إن كان هو الغارم الذي يدفع الفائدة الربوية، أو الخاسر في الميسر والقمار.

عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ.

رواه مسلم (١٥٩٨) .

ثم إن متعاطي هذه المعاملات المحرمة، لا ينتفع بشيء من الصدقة بهذه الأموال، وإنما حسبه أن يخرج منها، تخلصا من الإثم الذي لحقه بالحصول عليها، وإمساكها؛ وإنما مثلها كمثل النجاسات: إذا تلطخ بها المرء، كان عليه أن يغسل موضعها، ولا يقول عاقل: إنه يتوحل في هذه النجاسات، من أجل أن يغسلها بعد ذلك. وهي من الآثام والأوزار، التي تلحق العبد، ويجب عليه التوبة منها؛ أفيقول عاقل: إنه سوف يسرق، أو يزني، أو..، من أجل أن يتوب من تلك الجريمة؟!

فمن أدراك أن الله تعالى سوف يحفظ لك قلبك، ويقوي عزمك على التوبة بعد ذلك؟!

ثم، من أدراك أنك، إن تبت فإن الله سيقبلك؟!

وبخصوص المسألة التي ذكرتها، فقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم، أن هذا الذي تفكر فيه، من التصدق بمال كسبته من حرام، غير مقبول عند الله، ولا نافع لصاحبه، كما أخبرناك من قبل.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَاّ طَيِّبًا ".

أخرجه مسلم برقم (١٠١٥) .

ورد في فتاوى اللجنة الدائمة (١٣ / ٣٥٥) الفتوى رقم (١٩٥٨٥) :

س: رجل لديه مبلغ من المال، ويريد أن يضعه في أي بنك من البنوك، وهو يعلم أن البنك سوف يعطيه قدرا من الربا، لكن الرجل يعلم أن المبلغ الزائد ربا وحرام، وإذا تركه أخذه البنك واستفاد من الربا. فهل يجوز له أن يأخذ الربا ويعطي الأسر الفقيرة دون ابتغاء أي ثواب، فقط أن الأسر تستفيد من المال؛ لأنهم في حاجة ماسة إلى المال، ذلك بدلا من استفادة البنك؟

ج: لا يجوز إيداع الأموال في البنوك الربوية بقصد أخذ الفوائد الربوية لأي غرض كان؛ لأن الله حرم الربا، وتوعد عليه بأشد الوعيد، ولعن النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم - آكله وموكله وشاهديه وكاتبه، فلا يجوز أخذه بنية التصدق به؛ لأنه كسب حرام وخبيث، والله طيب لا يقبل إلا الطيب.

وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

عضو ... عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس

بكر أبو زيد ... صالح الفوزان ... عبد العزيز آل الشيخ ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز.

[الْمَصْدَرُ]

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

<<  <  ج: ص:  >  >>