للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تأتيها وساوس الشيطان إذا رأت ثبات أهل الكفر والباطل وتفانيهم في ذلك

[السُّؤَالُ]

ـ[باختصار أنا اشتكي من القلق على ديني وعقيدتي، أتمنى أن لا يحاسبني الله على سؤالي ولكني فعلا بحث عن الإجابة الشافية.

حين أرى النصارى واليهود أو حتى الفئات التي ضلت عن العقيدة الإسلامية الصحيحة حين ألحظ عليهم مدى تمسكهم باعتقادهم وتصديقهم به بل والراحة النفسية التي يشعرون بها أو - لا أدري إن كان حقيقيا- أسأل نفسي كيف يعرف المسلم أنه على العقيدة الصحيحة؟ طالما أن الراحة النفسية موجودة لدى الجميع، خاصة أنه بعلم النفس وارد أن ما تؤمن به فعليا هو ما يجعلك تطمئن إليه وتثق به ولو كان غير صحيح؟ وما يحيرني خاصة الفئات الخاطئة التي تفرعت من الإسلام مثل الصوفية والشيعة؟ أنا فقط بدأت أشعر بهذه الوساوس بعد أن أصبحت والحمد لله أقرب إلى ربي من قبل بعد ترك الأغاني، وقيام الليل والنوافل والاستغفار.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

فقد أحسنتِ حينما أطلقتِ على هذه الخواطر التي تجول في نفسك بأنها وساوس، ومعلوم أن الوسوسة من الشيطان، والشيطان لا يحب من العبد أن يعود لخالقه تائباً نادما مقبلاً على الخير، بل يحرص أن يصده عن دينه بسائر أنواع الفتن والشهوات، فإذا أعجزته الحيل لجأ إلى الوسوسة والتشكيك، ليشعره بالقلق وعدم الطمأنينة، ولذا تجدين أنك لم تشعري بهذه الوساوس إلا بعد أن تركت بعض المعاصي التي كان يزينها لك، فلما انتصرت عليه في هذا الميدان، لجأ إلى أضعف حيله وهي الوسوسة، وقد شكا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم له أنه ينتابهم بعض الوساوس التي يكرهونها ولا يحبون التكلم بها، فقال لهم عليه الصلاة والسلام: (الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة) رواه أبو داود عن عبد الله بن عباس (٥١١٢) وصححه الألباني كما في صحيح أبي داود.

فحيث عجز عن صدهم عن الخير لجأ إلى الوسوسة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

" والوسواس يعرض لكل من توجه إلى الله تعالى بذكر أو بغيره، لا بد له من ذلك، فينبغي للعبد أن يثبت ويصبر، ويلازم ما هو فيه من الذكر والصلاة ولا يضجر، فإنه بملازمة ذلك ينصرف عنه كيد الشيطان (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً) النساء/٧٦.

وكلما أراد العبد توجهاً إلى الله تعالى بقلبه جاءه من الوسوسة أمور أخرى، فإن الشيطان بمنزلة قاطع الطريق، كلما أراد العبد السير إلى الله تعالى، أراد قطع الطريق عليه، ولهذا قيل لبعض السلف: إن اليهود والنصارى يقولون: لا نوسوس. قال: صدقوا! وما يصنع الشيطان بالبيت الخرب؟!! .

"مجموع الفتاوى" (٢٢/٦٠٨) .

لذا فعليك ألا تلتفتي لهذه الوساوس، ولا تجعليها عائقاً عن مواصلة طريقك في السير إلى الله تعالى.

وأما ما ذكرتِه عن بعض الكفار وأهل البدع من أنهم يكونون في راحة نفسية، فجميل منك أنك قلت في ثنايا سؤالك: (لا أدري إن كان حقيقياً) فإن كثيراً من هذه السعادات زائفة، تكون في الظاهر بينما يبقى الباطن يشعر بفراغ وضيق قاتل، لا يزيله إلا صدق العبد مع الله في عبوديته وتحقيق مرضاته.

وهنا ينبغي أن تنتبهي إلى عدة أمور:

الأول: أن مقياس العقيدة الصحيحة لا يعرف بالراحة النفسية أو عدمها، وإنما تعرف العقيدة بما جاء في كتاب الله وسنة رسول الله على وفق ما التزمه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأي أمر أشكل عليك فاعرضيه على كلام الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكلام صحابته، فإن وجدت أصحاب رسول الله قائلين به فاعلمي أنه الحق، وما سواه فهو باطل، فإن عجزت عن ذلك فاسألي أهل العلم الذين يسيرون في علمهم وطريقتهم على منهج الصحابة والسلف الصالح؛ فهذا هو المقياس الصحيح الوحيد.

وأما السعادة والراحة النفسية فهي نتيجة لصدق العبد في تحصيل رضى ربه، ومتابعة سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) النحل/٩٧.

الثاني: أن الشعور بالضيق والضنك أمر نسبي، وهو يختلف من شخص لآخر، وأحيانا يكون الإنسان يعيش في أشد حالات الضيق ولا يشعر بشيء من ذلك لأنه ميت القلب، ألست ترين الأعمى يكون في أشد أنواع الظلمة ولا يشعر بالظلام، وما ذلك إلا لأنه لا بصر عنده أصلاً، فكذلك ميت القلب، ليس عنده حياة أصلاً ليشعر بألم ضيق الصدر من عدمه، وقديما قال الشاعر: ما لجرحٍ بميت إيلام

لكن الله عز وجل قال وقوله الحق: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) طه/١٢٤.

والضنك: قد فسر بعدة تفسيرات، ففي تفسير ابن كثير رحمه الله ما ملخصه:

" أي: ضَنْك فِي الدُّنْيَا، فَلا طُمَأْنِينَة لَهُ، وَلا اِنْشِرَاح لِصَدْرِهِ، بَلْ صَدْره ضَيِّق حَرَج لِضَلالِهِ، وَإِنْ تَنَعَّمَ ظَاهِره وَلَبِسَ مَا شَاءَ وَأَكَلَ مَا شَاءَ وَسَكَنَ حَيْثُ شَاءَ فَإِنَّ قَلْبه مَا لَمْ يَخْلُص إِلَى الْيَقِين وَالْهُدَى فَهُوَ فِي قَلَق وَحِيرَة وَشَكّ، فَلا يَزَال فِي رِيبه يَترَدَّد فَهَذَا مِنْ ضَنْك الْمَعِيشَة.

وَقَالَ الضَّحَّاك: هُوَ الْعَمَل السَّيِّئ وَالرِّزْق الْخَبِيث.

وعَنْ أَبِي سَعِيد فِي قَوْله: (مَعِيشَة ضَنْكًا) قَالَ: يُضَيِّق عَلَيْهِ قَبْره حَتَّى تَخْتَلِف أَضْلاعه فِيهِ.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَة ضَنْكًا) قَالَ (عَذَاب الْقَبْر) إِسْنَاد جَيِّد " انتهى.

فلو فرض أن الكافر أو الفاجر عاش في هذه الدنيا في سعادة حتى لو كانت داخلية، فإنه فاقد للطمأنينة والسكينة التي يتنعم بها المؤمنون الصادقون، ثم إن ما ينتظره من العذاب في البرزخ وما بعده ضنك وأي ضنك، نسأل الله أن يعيذنا وإياكِ من عذاب القبر، وأن يثبتنا وإياكِ على الحق حتى نلقاه.

وختاماً: عليك بالاجتهاد في الطاعات وعمل الصالحات، والابتعاد عن الوساوس الجالبة للهموم، وعليك بتعلم العلم النافع، فإنه يقيك بإذن الله من أنواع الفتن والشبهات.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>