للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هاجر من أوربا إلى المغرب لكن زوجته تريد العودة

[السُّؤَالُ]

ـ[هاجرت من إحدى الدول الأوربية إلى المغرب مع زوجتي وأولادي الأربعة منذ أربعة أشهر تقريبا ولدينا سكن بالإيجار وسأبدأ بالعمل قريبا إن شاء الله ولكن زوجتي التي اقتنعت بهذه الهجرة في بداية الأمر أصابها اكتئاب وإحباط شديدين ونقلتها إلى المستشفى مرارا وهي غير سعيدة في بيتها وبالتالي أنا غير سعيد ولم يعجبها شيء في المغرب قط وتشتكي من كل شيء. وأنا عرضت عليها بأن تعود إلى بلد الكفر التي هاجرنا منها وهي لم تقبل , وقلت لها خذي الأولاد وارجعي واتركوني اشتغل هنا وسآتي إلى زيارتكم بين فترة وأخرى ولم تقبل, وهي تريدني أن نرجع جميعا علما بأن أولادي صغار السن حيث أكبرهم عمره ١١ سنة وهم تارة يحبون وتارة لا يحبون ومن المعلوم بان حبهم وكرههم مرتبط بنا, أما أنا فليس لي بديل في الوقت الحالي وإن كان هنالك بعض الصعوبات وأريد أن أتحمل كل هذه الصعوبات لأن الغاية التي خرجت من أجلها عظيمة ألا وهي الهجرة إلى الله وإلى إرضاء الله تعالى خوفا لأنفسنا وأولادنا ولكن أرى بأنه صعب جدا مع حالة زوجتي التي تزداد سوءا يوما بعد يوم والتي بدورها تؤثر سلبا على سعادتنا وعلى تربية الأولاد , وأزيدكم علما بأني صابر معها صبرا جميلا إن شاء الله ولكن لا أعتقد بان صبري سيغير شيئا من اكتئابها وملاحظاتها عن المغرب. أرجوا منكم أن تجدوا لي حلا وأن تجيبوا على سؤالي في أسرع وقت ممكن لأن وضعنا لا يتحمل التأخير]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولا:

الهجرة من بلاد الكفر يختلف حكمها باختلاف حال الإنسان ومدى قدرته على الهجرة وعلى إظهار دينه هناك.

فتجب الهجرة على من عجز عن إظهار دينه، واستطاع الهجرة.

وأما من قدر على إظهار دينه، فتستحب له الهجرة ولا تجب، ومن عجز عن الهجرة، فقد عذره الله تعالى.

قال ابن قدامة رحمه الله: " فالناس في الهجرة على ثلاثة أضرب:

أحدها: من تجب عليه , وهو من يقدر عليها , ولا يمكنه إظهار دينه , ولا تمكنه إقامة واجبات دينه مع المقام بين الكفار , فهذا تجب عليه الهجرة ; لقول الله تعالى: (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا) . وهذا وعيد شديد يدل على الوجوب. ولأن القيام بواجب دينه واجب على من قدر عليه , والهجرة من ضرورة الواجب وتتمته , وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

الثاني: من لا هجرة عليه. وهو من يعجز عنها , إما لمرض , أو إكراه على الإقامة , أو ضعف ; من النساء والولدان وشبههم , فهذا لا هجرة عليه ; لقول الله تعالى: (إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا) . ولا توصف باستحباب ; لأنها غير مقدور عليها.

والثالث: من تستحب له , ولا تجب عليه. وهو من يقدر عليها , لكنه يتمكن من إظهار دينه وإقامته في دار الكفر , فتستحب له , ليتمكن من جهادهم , وتكثير المسلمين , ومعونتهم , ويتخلص من تكثير الكفار , ومخالطتهم , ورؤية المنكر بينهم. ولا تجب عليه ; لإمكان إقامة واجب دينه بدون الهجرة" انتهى من "المغني" (٩/٢٣٦) .

وعليه؛ فإذا كنت قادرا على إظهار دينك في البلد الأوربي، فإن الهجرة لا تجب عليك، لكن انتقالك إلى بلد من بلدان المسلمين أفضل وأسلم لك ولأولادك، فإن كان في ذلك مشقة على أهلك، فابذل الوسع في إقناعهم والتخفيف عنهم وبيان محاسن هذا الانتقال، فإن تم ذلك فالحمد لله، وإلا فلا حرج عليك في العودة إلى أوربا، ثم محاولة الهجرة مرة أخرى حين يتيسر ذلك لك ولأهلك.

ولكن ... تبقى مشكلة المحافظة على الأولاد هناك دينياً وأخلاقياً، وهو أمر صعب للغاية.

فإن لم يمكنك المحافظة عليهم فبقاؤك في بلاد المسلمين هو الواجب والمتعين عليك، وعلى زوجتك أن تصبر وترضى، وتقدم مصلحة الدين والمحافظة عليه على الراحة الدنيوية التي يجدها الإنسان في البلاد الغربية.

ولا ينبغي أن تترك أولادك وزوجتك يعودون إلى أوروبا دونك، لما في ذلك من زيادة الخطر عليهم.

وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (١٣٣٦٣) .

ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>