للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

السفر إلى الخارج لتعلم اللغة، والدراسة الجامعية المختلطة

[السُّؤَالُ]

ـ[أنا من بلاد الحرمين الشريفين وعلى وشك السفر إلى كندا والدراسة هناك لتعلم اللغة ومن ثم التفكير في مسألة الدراسة الجامعية أم لا، وأنا ولله الحمد ملتزم، ولا أخفيكم بأني رفضت هذه المسألة من البداية بعد أن قرأت بأنه لا يجوز الدراسة بالخارج، ولكن مع الضغوط من الأهل وأيضاً محاولة إقناعي بأن هناك في كندا لن أواجه مشكلة في إعلان ديني والقيام بكل ما أريد ولكن أواجه مشكلة مثلاً في [الاختلاط] حيث إن الدراسة هناك مختلطة. كيف أستطيع أن أواجه هذا الأمر؟ ، وأيضاً مسألة [اللحية] هل أقوم بإعفاء اللحية وهذا الذي أتمناه، أم أنه من الأفضل حلقها؟ خصوصاً وأنني باللحية ربما أكون ملفتاً للأنظار هناك، وأتمنى توجيه بعض النصائح لكل من يسافر لدراسة بالخارج.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولا:

سبق لنا في فتاوى متعددة بيان حكم السفر لمثل تلك البلاد، والإقامة فيها، وقد بينَّا أن الأصل فيها التحريم، وأنه يجوز في بعض حالات، وضمن شروط معينة، وليس من تلك الحالات أن يذهب المسلم لدراسة علوم تتوفر في بلده، أو في غيرها من دول الإسلام مع تعريض نفسه للفتن والانحرافات.

قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " وأفيدك بأن الإقامة في بلد يظهر فيها الشرك والكفر , ودين النصارى وغيرهم من الكفرة لا تجوز , سواء كانت الإقامة بينهم للعمل أو للتجارة أو للدراسة , أو غير ذلك ; لقول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا) .

ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين) .

وهذه الإقامة لا تصدر عن قلب عرف حقيقة الإسلام والإيمان , وعرف ما يجب من حق الله في الإسلام على المسلمين , ورضي بالله ربا , وبالإسلام دينا , وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا.

فإن الرضا بذلك يتضمن من محبة الله , وإيثار مرضاته , والغيرة لدينه , والانحياز إلى أوليائه ما يوجب البراءة التامة والتباعد كل التباعد من الكفرة وبلادهم , بل نفس الإيمان المطلق في الكتاب والسنة , لا يجتمع مع هذه المنكرات , وصح عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله، بايعني واشترط، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تعبد الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتناصح المسلمين، وتفارق المشركين) أخرجه أبو عبد الرحمن النسائي، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث السابق , وهو قوله عليه الصلاة والسلام: (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين) وقال عليه الصلاة والسلام: (لا يقبل الله عز وجل من مشرك عملا بعد ما أسلم; أو يفارق المشركين) والمعنى حتى يفارق المشركين.

وقد صرح أهل العلم بالنهي عن ذلك , والتحذير منه , ووجوب الهجرة مع القدرة , اللهم إلا رجل عنده علم وبصيرة , فيذهب إلى هناك للدعوة إلى الله , وإخراج الناس من الظلمات إلى النور , وشرح محاسن الإسلام لهم , وقد دلت آية سورة براءة: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) على أن قصد أحد الأغراض الدنيوية ليس بعذر شرعي , بل فاعله فاسق متوعد بعدم الهداية إذا كانت هذه الأمور أو بعضها أحب إليه من الله ورسوله , ومن الجهاد في سبيل الله. وأي خير يبقى مع مشاهدة الشرك وغيره من المنكرات والسكوت عليها , بل وفعلها , كما حصل ذلك من بعض من ذكرت من المنتسبين للإسلام.

وإن زعم المقيم من المسلمين بينهم أن له أغراضا من الأغراض الدنيوية , كالدراسة , أو التجارة , أو التكسب , فذلك لا يزيده إلا مقتا.

وقد جاء في كتاب الله سبحانه وتعالى الوعيد الشديد والتهديد الأكيد على مجرد ترك الهجرة , كما في آيات سورة النساء المتقدم ذكرها , وهي قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ) الآيات وما بعدها. فكيف بمن يسافر إلى بلاد الكفرة , ويرضى الإقامة في بلادهم , وكما سبق أن ذكرت أن العلماء رحمهم الله تعالى حرموا الإقامة والقدوم إلى بلاد يعجز فيها المسلم عن إظهار دينه , والمقيم للدراسة أو للتجارة أو للتكسب , والمستوطن ,

حكمهم وما يقال فيهم حكم المستوطن لا فرق , إذا كانوا لا يستطيعون إظهار دينهم , وهم يقدرون على الهجر.

وأما دعوى بغضهم وكراهتهم مع الإقامة في ديارهم فذلك لا يكفي , وإنما حرم السفر والإقامة فيها لوجوه , منها:

١ - أن إظهار الدين على الوجه الذي تبرأ به الذمة متعذر وغير حاصل.

٢ - نصوص العلماء رحمهم الله تعالى , وظاهر كلامهم وصريح إشاراتهم أن من لم يعرف دينه بأدلته وبراهينه , ويستطيع المدافعة عنه , ويدفع شبه الكافرين , لا يباح له السفر إليهم.

٣ - من شروط السفر إلى بلادهم: أمن الفتنة بقهرهم وسلطانهم وشبهاتهم وزخرفتهم , وأمن التشبه بهم والتأثر بفعلهم.

٤ - أن سد الذرائع وقطع الوسائل الموصلة إلى الشرك من أكبر أصول الدين وقواعده; ولا شك أن ما ذكرته في رسالتك مما يصدر عن الشباب المسلمين الذين استوطنوا هذه البلاد هو من ثمرات بقائهم في بلاد الكفر , والواجب عليهم الثبات على دينهم والعمل به , وإظهاره , واتباع أوامره , والبعد عن نواهيه , والدعوة إليه , حتى يستطيعوا الهجرة من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (٩/٤٠٣) .

ثانيا:

لا تجوز الدراسة المختلطة سواء كانت في بلادك أو في بلاد الغرب، وهي في بلاد الغرب أشد ضررا وإثما وخطرا، وقد أنعم الله عليك بجامعات غير مختلطة في بلادك فكيف تتركها وتذهب إلى أخرى مختلطة؟

وكيف تستبدل بنعمة الله عليك المقام في تلك البلدان مع البعد عن أهلك وإخوانك، ورؤية الكافرين صباحا ومساء، وما هم عليه من المنكر والباطل (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) .

جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (١٢/١٨٢) : " اختلاط الرجال والنساء في التعليم: حرام، ومنكر عظيم؛ لما فيه من الفتنة، وانتشار الفساد، وانتهاك المحرمات، وما وقع بسبب هذا الاختلاط من الشرِّ والفساد الخلقي لهو من أوضح الدلائل على تحريمه، وإذا انضاف إلى ذلك كونه في بلاد الكفار: كان أشد حرمةً ومنعاً ... " انتهى.

الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.

وجاء فيها أيضا (١٢/١٧٣) : " لا يجوز للطالب المسلم أن يدرس في فصول مختلطة بين الرجال والنساء؛ لما في ذلك من الفتنة العظيمة، وعليك التماس الدراسة في مكان غير مختلط؛ محافظة على دينك، وعِرضك، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) " انتهى.

الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.

ثالثا:

يحرم على الرجل حلق لحيته؛ للأدلة الآمرة بإعفائها.

وينظر جواب السؤال رقم ١١٠٤٦٢.

والوصية لك أن تتقي الله تعالى، وأن تدع السفر إلى تلك البلاد، سواء كان لتعلم اللغة أو للدراسة الجامعية، وأن تبين لأهلك حرمة هذا السفر الذي يعرض الإنسان للفتنة، ويوقعه في الاختلاط المحرم.

ولا يلزمك طاعة أهلك في هذا السفر؛ فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. فاحفظ دينك وأمانتك، واحمد الله على ما أنعم عليك، واطلب ما تريد من العلم في بلدك، ولَنَقْصٌ في أمر الدنيا أهون من عذاب في الآخرة.

نسأل الله لك التوفيق والسداد.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>