للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا جاءتهم ذكراهم} .]

نَزَلَ بِهِمُ الْمَرَضُ فَأَلْقَاهُمْ كَالْحَرَضِ , فَانْفَكَّ أَمَلُهُمْ وَانْقَبَضَ , وَانْعَكَسَ عَلَيْهِمُ الْغَرَضُ , وَرَحِمَهُمْ فِي صَرْعَتِهِمْ من عاداهم {فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم} .

يَتَمَنَّوْنَ عِنْدَ الْمَوْتِ رَاحَةً , وَيَشْتَهُونَ مِنَ الْكَرْبِ اسْتِرَاحَةً , وَيُنَاقَشُونَ عَلَى الْخَطَايَا وَلا سَمَاحَةَ , فَهُمْ كَطَائِرٍ قَصَرَ الصَّائِدُ جَنَاحَهُ , فِي حَبْسِ النَّزْعِ والكرب يغشاهم {فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم} .

يَتَأَسَّفُونَ وَأَسَفُهُمْ أَشَدُّ مَا فِي الْعِلَّةِ , وَيَتَحَسَّرُونَ وَتَحَسُّرُهُمْ عَلَى مَا مَضَى مِنْ زَلَّةٍ , وَجَبَلُ نَدَمِهِمْ قَدْ شُقَّ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ , فَلَوْ رَأَيْتَهُمْ بَعْدَ الْكِبْرِ قَدْ صَارُوا أَذِلَّةً , وَتَمَلَّكَ أَمْوَالَهُمْ بعدهم سواهم {فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم} .

مَا نَفَعَهُمْ مَا تَعِبُوا لِتَحْصِيلِهِ وَجَالُوا , وَلا رَدَّ عَنْهُمْ مَا جَمَعُوا وَاحْتَالُوا , جَاءَ الْمَرَضُ فَأَذَلَّهُمْ بَعْدَ أَنْ صَالُوا , فَإِذَا قَالَ الْعَائِدُ لأَهْلِيهِمْ: كَيْفَ بَاتُوا؟ قَالُوا: إِنَّ السُّقْمَ قَدْ وهاهم وها هم {فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم} .

نَزَلُوا بُطُونَ الْفَلا فَلا يُقْبَلُ عُذْرَهُمْ , وَلا ذُو وُدٍّ يَنْفَعُهُمْ , قَدْ أَضْنَاهُمْ بَلاءُ الْبِلَى , فَلَوْ رَأَيْتَهُمْ فِي بِلاهِمْ وَهُمْ فِي بِلاهِمْ {فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم} .

فَالْبِدَارَ الْبِدَارَ قَبْلَ الْفَوَاتِ , وَالْحِذَارَ الْحِذَارَ مِنْ يَوْمِ الْغَفَلاتِ , قَبْلَ أَنْ يَقُولَ الْمُذْنِبُ رَبِّ ارجعون فيقال فات , ويح الغافلين عن عقباهم ما أعماهم {فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم} .

نَبَّهَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ هَذِهِ الرَّقْدَةِ وَذَكَّرَنَا وَإِيَّاكُمُ الْمَوْتَ وَمَا بَعْدَهُ إِنَّهُ قَرِيبٌ مُجِيبٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>