للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَنْهَمِكُ عَلَى تَحْصِيلِ غَرَضِهَا وَإِنْ أَعْقَبَهَا طُولُ مَرَضِهَا , فَيُنْسِيهَا عَاجِلُ مَا يُسِرُّ آجِلَ مَا يَضُرُّ.

فَلَمَّا وَضَعَهَا الْحَقُّ عَلَى هَذَا وَأَلَّفَهَا , خَاطَبَهَا بِمُخَالَفَةِ هَوَاهَا وَكَلَّفَهَا , وَبَيَّنَ لَهَا طَرِيقَ الْهُدَى وَعَرَّفَهَا , وَلَطَفَ بِهَا فِي أَحْوَالِهَا وَتَأَلَّفَهَا , وَذَكَّرَهَا مِنَ النِّعَمِ مَا سَلَّفَهَا , وَأَقَامَهَا عَلَى

مَحَجَّةِ التَّعْلِيمِ وَوَقَّفَهَا , وَحَذَّرَهَا مِنَ الزَّلَلِ وَخَوَّفَهَا , وَضَمِنَ لَهَا أَنَّهَا إِنْ جَاهَدَتْ أَسْعَفَهَا , وَإِنْ تَرَكَتْ أَغْرَاضَهَا أَخْلَفَهَا , وَمَا وَعَدَهَا وَعْدًا قَطُّ فَأَخْلَفَهَا وَأَوْضَحَ لَهَا عُيُوبَ الْعَاجِلَةِ وَكَشَفَهَا , وَرَغَّبَهَا في لذة جنة وصفها , فذكر لها منزلها وَغُرَفَهَا وَأَنْهَارَهَا وَطَرَفَهَا , وَحَذَّرَهَا جَهَنَّمَ وَأَسَفَهَا وَغَيْظَهَا عَلَى الْعُصَاةِ وَلَهَفَهَا , وَأَعْلَمَهَا أَنَّ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ , وَلَقَدْ أَنْصَفَهَا.

فَعَذَّلْتُهَا وَقَرَّعْتُهَا وَأَوْعَدْتُهَا وَأَسْمَعْتُهَا , فَلَمْ تَرْتَدِعْ عَنْ هَوَاهَا وَلَمْ تَنْزِعْ عَمَّا آذَاهَا , وَرَأَتْ مَصَارِعَ الْقُرَنَاءِ وَمَا كَفَاهَا , وَلَمْ تَأْنَفْ مِنْ ذُنُوبِهَا وَذُلُّ الْمَعَاصِي قَدْ عَلاهَا , وَكَأَنَّ الْخِطَابَ الَّذِي أَتَى مِمَّنْ سَوَّاهَا إِلَى سِوَاهَا.

فَعَلِمْتُ حِينَئِذٍ أَنَّهَا تَحْتَاجُ إِلَى مَنْ يُحَاسِبُهَا وَتَفْتَقِرُ إِلَى مَنْ يُطَالِبُهَا، وَلا تَسْتَغْنِي عَنْ مُوَبِّخٍ يُعَاتِبُهَا , وَلا بُدَّ مِنْ رَائِضٍ إِنْ وَنَتْ يُعَاقِبُهَا.

فَالْعَجَبُ مِمَّنْ عَرَفَ نَفْسَهُ كَيْفَ أَهْمَلَهَا , وَاللَّهِ لَقَدْ ضرها وقتلها.

أخبرنا محمد بن الملك , أنبأنا أحمد بن الحسين ابن خَيْرُونٍ , أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَحَامِلِيُّ , أنبأنا أبو بكر ابن عَبْدُوَيْهِ , حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ دَاوُدَ الْبَلْخِيُّ , حَدَّثَنَا شقيق ابن إِبْرَاهِيمَ , حَدَّثَنِي أَبُو هَاشِمٍ الأَيْلِيُّ , عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا ابن آدَمَ لا تَزُولُ قَدَمَاكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ بَيْنِ يَدِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى تُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عُمْرِكَ فِيمَا أَفْنَيْتَهُ , وَجَسَدِكَ فِيمَا أَبْلَيْتَهُ , وَمَالِكَ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبْتَهُ وَأَيْنَ أَنْفَقْتَهُ ".

أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي مَنْصُورٍ , أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَلافُ , أَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ الْحمَامِيُّ , أَنْبَأَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَوَّاصُ , حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ نصر , قال

<<  <  ج: ص:  >  >>