للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(أَنَا لاهٍ وَلِلْمَنِيَّةِ حَتْمٌ ... حَيْثُ يَمَّمْتُ مَنْهَلٌ مَوْرُودُ)

(كُلَّ يَوْمٍ يُمِيتُ مِنِّي جُزْءًا ... وَحَيَاتِي تَنَفُّسٌ مَعْدُودُ)

(كَمْ أَخٍ قَدْ رُزِئْتُهُ فَهُوَ وَإِنْ أَضْحَى ... قَرِيبَ الْمَحَلِّ مِنِّي بَعِيدُ)

(خَلَسَتْهُ الْمَنُونُ مِنِّي فَمَا لِي ... خَلَفٌ مِنْهُ فِي الْوَرَى مَوْجُودُ)

(هَلْ لِنَفْسِي بِوَاعِظَاتِ الْجَدِيدِينَ ... عَنْ مَنْزِلٍ سَيَبِيدُ)

أَلا مُتَيَقِّظٌ لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ , أَلا مُتَأَهِّبٌ لِلْقَادِمِ عَلَيْهِ , أَلا عَامِرٌ لِلْقَبْرِ قَبْلَ الْوُصوُلِ إِلَيْهِ , يَا وَاقِفًا مَعَ هَوَاهُ وَأَغْرَاضِهِ , يَا مُعْرِضًا عَنْ ذِكْرِ عَوَارِضِهِ إِلَى أَعْرَاضِهِ , يَا غَافِلا عَنْ حُكْمِ الْمَوْتِ وَقَدْ بَتَّ بِمِقْرَاضِهِ , سَيَعْرِفُ خَبَرَهُ إِذَا اشْتَدَّ أَشَدُّ أَمْرَاضِهِ , وَأَوْرَدَهُ حَوْضًا مَرِيرًا مِنْ أَصْعَبِ حِيَاضِهِ , وَنَزَلَ بِهِ مَا يَمْنَعُهُ مِنَ اغْتِمَاضِهِ , وَاسْتَبْدَلَ بِانْبِسَاطِ كَفِّهِ كَفَّهُ عَنِ انْقِبَاضِهِ , وَأَخَذَتْ يَدُ التلف بعد إحكامه في انتقاضه , وَأُخْرِجَ عَنْ خَضِرِ الرُّبَى وَرَوْضِهِ وَغِيَاضِهِ , وَأُلْقِيَ فِي لَحْدٍ وَعْرٍ يَخْلُو بِرَضْرَاضِهِ , وَعَلِمَ أَنَّهُ باع عُمْرَهُ بِأَرْدَإِ أَعْوَاضِهِ.

يَا مَنِ الْهَوَى كَلامُهُ وَحَدِيثُهُ , يَا مَنْ فِي الْمَعَاصِي قَدِيمُهُ وَحَدِيثُهُ , يَا مَنْ عُمْرُهُ فِي الْمَعَاصِي خَفِيفُهُ وَأَثِيثُهُ , مَنْ لَهُ إِذَا لَمْ يَجِدْ فِي كَرْبِهِ مَنْ يُغِيثُهُ , آهٍ مِنْ قَهْرٍ لا يَرْفُقُ بُطَّاشُهُ , وَمِنْ حَرِيقٍ لا يَرْحَمُ عُطَّاشَهُ , وَمِنْ نُزُولِ لَحْدٍ لا يُرْفَعُ خِشَاشُهُ , عَمَلُ الْمَقْبُولِ فِيهِ لِحَافُهُ وَفِرَاشُهُ , آهٍ مِنْ سَحَابِ عِقَابٍ رَذَاذُهُ يُرْدِي وَرَشَاشُهُ , مَنْ يُخَلِّصُهُ الْيَوْمَ مِنْ هوى قد أشربه مُشَاشُهُ.

كَأَنَّكُمْ بِالسَّمَاءِ قَدِ انْشَقَّتْ وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ , وَبِأَقْدَامِ الصَّالِحِينَ قَدْ تَرَقَّتْ , وَبِأَيْمَانِهِمْ لِلصَّحَائِفِ قَدْ تَلَقَّتْ , صَبَرَ الْقَوْمُ عَلَى حَصْرِ الْحَبْسِ فَخَرَجُوا إِلَى رَوْحِ السَّعَةِ.

قَالَ أَحْمَدُ بْنُ [أَبِي] الْحَوَارِيِّ: قُلْتُ لِزَوْجَتِي رَابِعَةَ: أَصَائِمَةٌ أَنْتِ الْيَوْمَ؟ فَقَالَتْ: وَمِثْلِي مَنْ يُفْطِرُ فِي الدُّنْيَا!

وَكَانَتْ إِذَا طَبَخَتْ قِدْرًا قَالَتْ: كُلْهَا يَا سَيِّدِي فَمَا نَضِجَتْ إِلا بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّقْدِيسِ!

<<  <  ج: ص:  >  >>