للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نِضَارَ الْقُصُورِ، أَمَا اسْتَلَبَهُ الْمَوْتُ مِنَ الْمَنَازِلِ وَالْقُصُورِ، أَيْنَ مَنْ كَانَتْ تَقْوَى بِسِقَائِهِ الظُّهُورُ،

أَمَا عَدِمَ الظَّهِيرَ عِنْدَ الْمَوْتِ حِينَ الظُّهُورِ، حَامَ الْحِمَامُ حَوْلَ حِمَاهُ فَلَمْ يَنْفَعْهُ الْحِمَى، وَرَامَ رَامِيهِ مَرَامِيَهُ فَرَمَاهُ إِذْ رَمَى، وَصَاحَتْ بِهِ هَاتِفَاتُ الْفِرَاقِ بِمِلْءِ فِيهَا، وَلَفَظَتْهُ الْمَنَازِلُ كأن لم يكن فيها، كأن لم تَعَلَّقَ رَاحَتَهُ بِرَاحَةِ الْهَوَى إِذْ زَلَّ قَدَمُهُ فِي التَّلَفِ وَهَوَى، وَكَأَنَّهُ مَا عَزَمَ عَلَى غَرَضٍ وَلا نَوَى إِذْ جَذَبَتْهُ بِأَيْدِيهَا النَّوَى، وَكَأَنَّهُ مَا تَحَرَّكَ مِنْ مُرَادٍ وَلا الْتَوَى حِينَ أَدْرَكَهُ سُكُونُ التَّلَفِ وَالْتَوى، انْبَتَّ وَاللَّهِ حَبْلُ بَقَائِهِ بِأَقْطَعِ الْمُدَى، وَانْتَثَرَ مَنْظُومُ حَيَاتِهِ وَانْقَطَعَ الْمَدَى، فَأُخْرِجَ عَنِ الإِنْسِ كَأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْجِنْسِ، وَكَفَّ كَفُّهُ فِي الرَّمْسِ بَعْدَ تَصَرُّفِ الْخَمْسِ، وَأَصْبَحَتْ مَنَازِلُهُ إِذْ لَمْ يُصْبِحْ بِهَا وَلَمْ يُمْسِ كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ.

(أخي إنما الدنيا محلة تغصة ... وَدَارُ غُرُورٍ آذَنَتْ بِفِرَاقِ)

(تَزَوَّدْ أَخِي مِنْ قَبْلِ أَنْ تَسْكُنَ الثَّرَى ... وَيَلْتَفَّ سَاقٌ لِلْمَمَاتِ بِسَاقِ)

مَا أَقْرَبَ مَا هُوَ آتٍ، مَا أَبْعَدَ مَا قَدْ فَاتَ، مَا أَغْفَلَ الأَحْيَاءَ عَمَّا حَلَّ بِالأَمْوَاتِ.

(يَا غَافِلِينَ عَنِ الْفَنَا ... لَيْسَ الْفَنَا عَنْكُمْ بِغَافِلِ)

أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ عَلِيٍّ الْمُدِيرُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ الْمَأْمُونِ، أَخْبَرَنَا الدَّارَقُطْنِيُّ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بريد، عن أبي بردة، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى قَوْمَهُ فَقَالَ: يَا قَوْمِ إِنِّي رَأَيْتُ الْجَيْشَ بِعَيْنِي وَأَنَا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ، فَالنَّجَاءَ. فَأَطَاعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ قَوْمِهِ فَأَدْلَجُوا وَانْطَلَقُوا عَلَى مَهْلِهِمْ فَنَجَوْا، وَكَذَّبَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فَأَصْبَحُوا مَكَانَهُمْ فَصَبَّحَهُمُ الْجَيْشُ فَأَهْلَكَهُمْ وَاجْتَاحَهُمْ. فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ أَطَاعَنِي وَاتَّبَعَ مَا جِئْتُ بِهِ وَمَثَلُ مَنْ عَصَانِي وَكَذَّبَ مَا جِئْتُ بِهِ مِنَ الْحَقِّ ".

أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>