للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(كَمْ مُصْبِحٍ يُعَمِّرُ بَيْتًا لَهُ ... لَمْ يُمْسِ إِلا خَرِبَ الْبَيْتِ)

(هَذَا وَكَمْ حَيٍّ بَكَى مَيِّتًا ... فَأَصْبَحَ الْحَيُّ مَعَ الْمَيْتِ)

يَا مَشْغُولا بِمَا لَدَيْهِ عَمَّا بَيْنَ يَدَيْهِ، يَا غَافِلا عن الموت وقد دَنَا إِلَيْهِ، يَا سَاعِيًا إِلَى مَا يَضُرُّهُ بِقَدَمَيْهِ، يَا مُخْتَارَ الْمُؤْذِي لَهُ مِنْ حَالَتَيْهِ، يَأْمَنُ الدَّهْرَ وَقَدْ رَأَى صِرْفَيْهِ،، كَمْ عَايَنَ مَيِّتًا لَوِ اعْتَبَرَ بِعَيْنَيْهِ، إِنَّمَا أَغَارَ عَلَى شَبَابِهِ هَاجِمٌ عَلَى فَوْدَيْهِ، أَيَنْفَعُهُ يَوْمَ الرَّحِيلِ دَمْعٌ يَمْلأُ خَدَّيْهِ؟ يَا مَنْ يَصِيرُ عَنْ قَلِيلٍ إِلَى حُفْرَةٍ، تَنَبَّهْ لِنَفْسِكَ مِنْ هَذِهِ السَّكْرَةِ، لَوْ أَنَّكَ تَذَكَّرْتَ لَحْدَكَ كَيْفَ تَبِيتُ وحدك، ويباشر التراب خدك وتتقسم الدِّيدَانُ جِلْدَكَ، وَيَضْحَكُ الْمُحِبُّ بَعْدَكَ نَاسِيًا عَنْهُ بُعْدَكَ، وَالأَهْلُ قَدْ وَجَدُوا الْمَالَ وَمَا وَجَدُوا فَقْدَكَ، إِلَى مَتَى وَحَتَّى مَتَى تَتْرُكُ رُشْدَكَ، أَمَا تُحْسِنُ أَنْ تُحْسِنَ قَصْدَكَ، الأَمْرُ مُجِدٌّ جِدًّا فَالْزَمْ جِدَّكَ.

(ذَهَبَ الأَحِبَّةُ بَعْدَ طُولِ تَوَدُّدٍ ... وَنَأَى الْمَزَارُ فَأَسْلَمُوكَ وَأَقْشَعُوا)

(خَذَلُوكَ أَفْقَرَ مَا تَكُونُ لِغُرْبَةٍ ... لَمْ يُؤْنِسُوكَ وَكُرْبَةً لَمْ يَدْفَعُوا)

(قُضِيَ الْقَضَاءُ وَصِرْتَ صَاحِبَ حُفْرَةٍ ... عَنْكَ الأَحِبَّةُ أَعْرَضُوا وَتَصَدَّعُوا)

إِخْوَانِي: إِنَّكُمْ تَغْدُونَ وَتَرُوحُونَ فِي آجَالٍ قَدْ غُيِّبَتْ عَنْكُمْ، لا تَدْرُونَ مَتَى تَهْجِمُ عَلَيْكُمْ، فَالْوَحَا الْوَحَا فَالطَّالِبُ حَثِيثٌ.

(يَجِدُّ بِنَا صَرْفُ الزَّمَانِ وَنَهْزِلُ ... وَنُوقَظُ بِالأَحْدَاثِ فِيهِ وَنَغْفُلُ)

(وَمَا النَّاسُ إِلا ظَاعِنٌ أَوْ مُوَدِّعٌ ... وَمُسْتَلَبٌ مُسْتَعْجَلٌ أَوْ مُؤَجَّلُ)

(وَمَا هَذِهِ الأَيَّامُ إِلا مَنَازِلٌ ... إِذَا مَا قَطَعْنَا مَنْزِلا بَانَ مَنْزِلُ)

(فِنَاءٌ مُلِحٌّ مَا يُغِبُّ جَمِيعَنَا ... إِذَا عَاشَ مِنَّا آخِرٌ مَاتَ أَوَّلُ)

(وَكَمْ صَاحِبٍ لِي كُنْتُ أَكْرَهُ فَقْدَهُ ... تَسَلَّمَهُ مِنِّي الْفَنَاءُ الْمُعَجَّلُ)

اسْمَعُوا عِظَةَ الزَّمَانِ إِنْ كُنْتُمْ تَسْمَعُونَ وَتَأَمَّلُوا تَقَلُّبَ الأَحْوَالِ إِنْ كُنْتُمْ تُبْصِرُونَ. قَالَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ: لَوْ سَمِعَ الْخَلائِقُ صَوْتَ النِّيَاحَةِ عَلَى الدُّنْيَا مِنْ أَلْسِنَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>