للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَخَجِلَتْ، وَقُيِّدَتْ بِقُيُودِ النَّدَمِ عَلَى التَّفْرِيطِ وَكُبِلَتْ، وَشَاهَدَتْ يَوْمَ الْجَزَاءِ قُبْحَ مَا كَانَتْ عَمِلَتْ، وَسُلَّ عَلَيْهَا سَيْفُ الْعِتَابِ يَوْمَ الْحِسَابِ فَقُتِلَتْ.

أَيُّهَا الْغَافِلُ عَنْ فَضِيلَةِ هَذَا الشَّهْرِ اعْرِفْ زَمَانَكَ، يَا كَثِيرَ الْحَدِيثِ فِيمَا يُؤْذِي احْفَظْ لِسَانَكَ، يَا مَسْئُولا عَنْ أَعْمَالِهِ اعْقِلْ شَانَكَ، يَا مُتَلَوِّثًا بِالزَّلَلِ اغْسِلْ بِالتَّوْبَةِ مَا شَانَكَ، يَا مَكْتُوبًا عَلَيْهِ كُلُّ قَبِيحٍ تَصَفَّحْ دِيوَانَكَ.

(أَقْلِلْ كَلامَكَ وَاحْتَرِزْ مِنْ شَرِّهِ ... إِنَّ الْبَلاءَ بِبَعْضِهِ مَقْرُونُ)

(وَكِلْ فُؤَادَكَ بِاللِّسَانِ وَقُلْ لَهُ ... إن الكلام عليكما موزون)

(فزناه فليك مُحْكَمًا فِي قِلَّةٍ ... إِنَّ الْبَلاغَةَ فِي الْقَلِيلِ تَكُونُ)

يَا مَنْ أَكْثَرُ عُمْرِهِ قَدْ مَضَى، يَا مَنْ نَفْسُهُ مَعَ اللَّحَظَاتِ تُقْتَضَى، يَا مَنْ قَدْ أَنْذَرَهُ سَلْبُ الْقَرِينِ مُعَرِّضًا، كَيْفَ يَحْتَرِسُ الْعُرْيَانُ مِنْ سَيْفٍ مُنْتَضَى، إِنْ كَانَ مَا فَرَّطَ يُوجِبُ السَّخَطَ فَاطْلُبْ فِي هَذَا الشَّهْرِ الرِّضَا، يَا كَثِيرَ الْقَبَائِحَ غَدًا تَنِطْقُ الْجَوَارِحُ، أَيْنَ الدُّمُوعُ السَّوَافِحُ عَلَى تِلْكَ الْقَبَائِحِ، يَا ذَا الدَّاءِ الشَّدِيدِ الْفَاضِحِ، مَا أَعْسَرَ مَرَضَ الْجَوَانِحِ، هَذَا الشَّيْبُ دَلِيلٌ وَاضِحٌ، وَهُوَ فِي الْمَعْنَى عَذُولٌ نَاصِحٌ، جَائِحَتُهُ لا تُشْبِهُ الْجَوَائِحُ، يُضَعْضِعُ الأَرْكَانَ الصَّحَائِحَ، يَسُدُّ أَبْوَابَ اللَّهْوِ وَالْمَمَازِحِ، وَالْمَوْتُ فِي خِلالِهِ مُبِينٌ لائِحٌ، أَيْنَ زادك يا أيها الرَّائِحُ، أَيْنَ مَا حَصَّلْتَ هَلْ أَنْتَ رَابِحٌ، يَا أَسَفَى لِهَذَا النَّازِحِ، كَيْفَ حَالُهُ فِي الضَّرَائِحِ، مَنْ لَهُ إِذَا أَوْثَقَهُ الذَّابِحُ، مَنْ لَهُ إِذَا قَامَ النَّائِحُ، وَاسْتَوَى لَدَيْهِ الْعَائِبُ وَالْمَادِحُ، وَلَمْ يَنْفَعْهُ فِي بُطُونِ الصَّفَائِحِ إِلا عَمَلٌ إِنْ كَانَ لَهُ صَالِحٌ، أَتُرَاهُ يَعْتَقِدُ أَنَّ النَّصِيحَ مَازِحٌ، ضَاعَتِ الْمَوَاعِظُ إِلا أَنَّ الْمَوْعُوظَ سَكْرَانُ طَافِحٌ.

يَا مَنْ قَدْ سَارَتْ بِالْمَعَاصِي أَخْبَارُهُ، يَا مَنْ قَدْ قَبُحَ إِعْلانُهُ وَإِسْرَارُهُ، يَا فَقِيرًا مِنَ الْهُدَى أَهْلَكَهُ إِعْسَارُهُ، أَتُؤْثِرُ الْخُسْرَانَ قُلْ لِي أَوْ تَخْتَارُهُ؟ يَا كَثِيرَ الذُّنُوبِ وَقَدْ دَنَا إِحْضَارُهُ، يَا أَسِيرًا فِي حَبْسِ الطَّرْدِ لا يَنْفَعُهُ إِحْضَارُهُ، نَقْدُكَ بَهْرَجٌ إِذَا حُكَّ مِعْيَارُهُ، كَمْ رُدَّ عَلَى مِثْلِكَ دِرْهَمُهُ وَدِينَارُهُ، يَا مُحْتَرِقًا بِنَارِ الْحِرْصِ حَتَّى مَتَى تَخْبُو نَارُهُ، الْمُذَكِّرُونَ بَيَنْكُمْ قَدْ أَصْبَحُوا كَالسُّمَّارِ، وَأَنْتُمْ قَدْ جَعَلْتُمُ الْمَوَاعِظَ مِثْلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>