للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كقول المسلمين: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. وكقوله تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} وقول نوح عليه السلام: {وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} ولا ريب أن الله يأمر العباد بما لا يريد بهذا التفسير، والمعنى كما قال تعالى {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} فدل على أنه لم يؤت كل نفس بهداها، وكما اتفق العلماء على أن من حلف بالله ليقضين دين غريمه غداً إن شاء الله، أو ليردن وديعته أوغصبه، أو ليصلين الظهر أو العصر إن شاء الله، أو ليصومن رمضان إن شاء الله، ونحو ذلك مما أمره الله به، فإنه إذا لم يفعل المحلوف عليه لا يحنث مع أن الله أمره به لقوله: إن شاء الله، فعلم أن الله لم يشأه مع أمره به.

وأما الإرادة الدينية فهي بمعنى المحبة والرضى، وهي ملازمة للأمر كقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ} ومنه قول المسلمين: هذا يفعل شيئاً لا يريده الله، إذا كان يفعل بعض الفواحش، أي أنه لا يحبه ولا يرضاه، بل ينهى عنه ويكرهه.

وكذلك لفظ ((الجبر)) فيه إجمال يُراد به إكراه الفاعل على الفعل بدون رضاه. كما يُقال: أن الأب يجبر المرأة على النكاح، والله تعالى أجل وأعظم من أن يكون مجبراً بهذا التفسير، فإنه يخلق للعبد الرضا والاختيار بما يفعله، وليس ذلك جبراً بهذا الاعتبار، ويُراد بالجبر: خلق ما في النفوس من الاعتقادات والإرادات كقول محمد بن كعب القرظي: الجبار الذي جبر العباد على ما أراد. وكما في الدعاء المأثور عن علي رضي الله عنه: ((جبار القلوب على فطراتها: شقيها وسعيدها)) والجبر ثابت بهذا التفسير.

فلما كان لفظ الجبر مجملاً نهى الأئمة الأعلام عن إطلاق إثباته أو نفيه.

وكذلك لفظ ((الرزق)) فيه إجمال،

<<  <   >  >>