للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشافعي، وهو أحد القولين في مذهب أبي حنيفة: أن توبته لا تقبل. والمشهور من مذهب الشافعي: قبولها. كالرواية الأُخرى عن أحمد، وهو القول الآخر في مذهب أبي حنيفة، ومنهم من فصّل.

والمقصود هنا: أن ((الزنديق)) في عرف هؤلاء الفقهاء: هو المنافق الذي كان على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -. وهو أن يظهر الإسلام ويبطن غيره، سواء أبطن ديناً من الأديان: كدين اليهود والنصارى أو غيرهم، أو كان معطلاً جاحداً للصانع، والمعاد، والأعمال الصالحة.

ومن الناس من يقول: ((الزنديق)) هو الجاحد المعطل، وهذا يسمى الزنديق في اصطلاح كثير من أهل الكلام والعامة، ونقلة مقالات الناس؛ ولكن الزنديق الذي تكلم الفقهاء في حكمه: هو الأول؛ لأن مقصودهم هو التمييز بين الكافر وغير الكافر. والمرتد وغير المرتد. ومن أظهر ذلك أو أسرَّه وهذا الحكم يشترك فيه جميع أنواع الكفار والمرتدين، وإن تفاوتت درجاتهم في الكفر والردة، فإن الله أخبر بزيادة الكفر كما أخبر بزيادة الإيمان بقوله: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} وتارك الصلاة وغيرها من الأركان، أو مرتكبي الكبائر، كما أخبر بزيادة عذاب بعض الكفار على بعض في الآخرة بقوله: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ الْعَذَابِ} .

فهذا ((أصل ينبغي)) معرفته فإنه مهم في هذا الباب. فإن كثيراً ممن تكلم في ((مسائل الإيمان والكفر)) - لتكفير أهل الأهواء - لم يلحظوا هذا الباب، ولم يميزوا بين الحكم الظاهر والباطن، مع أن الفرق بين هذا وهذا ثابت بالنصوص المتواترة، والإجماع المعلوم؛ بل هو معلوم بالاضطرار من دين الإسلام. ومن تدبر هذا؛ علم أن كثيراً من أهل الأهواء والبدع: قد يكون مؤمناً مخطئاً جاهلاً ضالاً عن بعض ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وقد يكون منافقاً زنديقاً يظهر خلاف ما يبطن) انتهى.

<<  <   >  >>