للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإنه لو لم يقدم في صدر هذا البيت لفظة مشتقة من الغناء حصل بها في هذا البيت من الرونق ما لا يحصل بدونها، لكان البيت خالياً من التهذيب، فإن بوجودها حصل في البيت تصدير وتجنيس وائتلاف وتهذيب، وانتفى عنه من العيوب عدم الائتلاف، وقلق القافية، وبذلك تقدم التهذيب، وذلك أنه لو كان قال طويل:

زهت بأزاهير الجمال وحسنها ... وفاحت فقلنا هذه الروضة الغنا

لتبين قلق هذه القافية وتمكن تلك القافية الأولى، بسبب ما في البيت من التصدير.

ومما جاء في الكتاب العزيز من أمثلة هذا الباب قوله تعالى: " لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك " فإن حسن الترتيب في نظم الكلام البليغ أمر مطلوب، ومن حسن الترتيب في الجمل الفعلية تقديم الفعل، وتعقيبه بالفعل، ثم الإتيان بالمفعول، فإن كان في الكلام مفعولان أحدهما تعذر وصول الفعل بنفسه إليه، والآخر تعدى إليه بنفسه قدم ما تعدى إليه الفعل بنفسه، وإذا علم ذلك كان لقائل أن يقول: لو توخى حسن الترتيب في عجز الآية لأتى وزن صدرها، والجواب أن حسن الترتيب منع منه في صدر الآية مانع قوي، وهو مخافة أن تتوالى ثلاثة أحرف متقاربات المخارج، فيثقل الكلام بسبب ذلك، فإنه لو جاء الكلام فيه مرتباً لقيل: لئن بسطت يدك إلي، والطاء والتاء والياء متقاربات المخارج، فلذلك حسن تقديم المفعول الذي تعدى الفعل

<<  <   >  >>