للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لبان الفرس: صدره. ويقال: وطنت نفسي على كذا فتوطنت، أي حملتها عليه فذلت. وانتصب عشية على أنه ظرفٌ لطعاننا. ويجوز أن يكون ظرفاً لشهدت، ولا يجوز أن يكون ظرفاً لأرمي؛ لأن أرمي أضيفت عشية إليه، والمضاف إليه لا يعمل في المضاف. ومعنى البيت: عشية أحمل على القوم ولا أبالي إن كانت علي أو لي، لأني وطنت نفسي على الشر فألفته وسكنت إليه. فمن روى: ونفسي قد وطنتها يكون الواو للحال، ونفسي يرتفع بالابتداء، ووطنتها في موضع الخبر. ومن روى: ونفسي وقد وطنتها فإن نفسي يكون في موضع الجر عطفاً على بلنانه، أي أرمي جيشهم بنفسي وفرسي، ويكون قد وطنتها في موضع الحال. وتحقيق الكلام: وقد وطنتها على الشر فسكنت إليه، ورضيت به. ومثله قول عنترة:

ما زلت أرميهم بقرحة مهري ... ولبان لا وكلٍ ولا هياب

وقول الآخر:

ما زلت أرميهم بثغرة نحره ... وفارسه حتى ثأرت ابن واقد

ولاحقة الآطال أسندت صفها ... إلى صف أخرى من عدىً فاقشعرت

إنما نكر قوله عدىً لينبه به على اختلافهم وكثرتهم، وأن ذلك لتوفر فضائلهم، وتظاهر عزهم ورياستهم، إذ كان الحسد يتبع ذلك، ولأنهم يترون من لا يذل لهم، ولا يهوى هواهم. يقول: ورب خيلٍ قد لحقت بطونها بظهورها، وارتفعت جنوبها إلا متونها، أنا أملت صفها إلى صف خيلٍ مثلها من الأعداء، فخافت لقلتنا وكثرتهم. وأصل الاقشعرار تقبض الجلد وانتصاب الشعر، وقد تكلم الناس في قول امرئ القيس:

والقلب من خشيةٍ مقشعر

فقال بعضهم: الاقشعرار لا يصح في القلب، لأنه يخبر به عما عليه شعرٌ، ولا شعر على القلب. وقال غيره: إنما هو كنايةٌ عن الوجل، ولما كان الاقشعرار يقع عنده كني به عنه. وإذا كان كذلك فكأنه قال: والقلب من خشيةٍ وجل.

<<  <   >  >>