للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذا قيلت العوراء أغضى كأنه ... ذليل بلا ذل ولو شاء لانتصر

قوله رماه الله بالخير معناه كساه الخير ومسحه به مقبلاً فيه لا مدبراً. وقد كشف معنى الرمي بقوله: له سيمياء لا تشق على البصر، يريد ما عليه من حسن القبول والتمن من النفوس والقلوب، حتى إن المبصرين له يجدون راحة في النظر إليه، فلا تملها العيون، ولا تنطبق دونها الجفون. ومثل قوله: رماه الله بالخير في باب الاستعارة، قوله تعالى: " وألقيت عليك محبة مني ". والسيمياء أصله العلامة، ومنه الخيل المسومة. ويقال سيماء وسيمياء جميعاً. وانتصب مقبلاً على الحال. وتحقيقب معنى سيمياء أي قد وسمه الله تعالى بسيمياء حسنة مقبولة، يلتذ الناظر بالنظر إليها. وقوله كأن الثريا علقت فوق نحره، يريد أنه قد غشي من كل جانب بما ينوره، فالثريا فوق نحره، والشعري، يعني العبور، مركزة في أنفه، والقمر متلألىء في خده، فهو نور على نور. وقوله إذا قيلت العوراء أغضى، كأن يصف فيه اجتواءه للخنا والفحش، واطراحه لقبح القول، ورفضه لأنواع الهجر، فمتى ذكرت عنده فحشاء أطرق مغضياً، عاركاً بجنبه متحلماً، فكأنه ذليل لتغابيه، وترك المحاسبة فيه، ولو شاء لانتقم. وهذا غاية ما يكون من حسن الاحتمال، ومصابرة الناس على أذاهم، مع التعزز والاقتدار.

آخر:

سأشكر عمراً إن تراخت منيتي ... أيادي لم تمنن وإن هي جلت

فتى غير محجوب الغنى عن صديقه ... ولا مظهر الشكوى إذا النعل زلت

رأى زلتي من حيث يخفي مكانها ... فكانت قذى عينيه حتى تجلت

<<  <   >  >>