للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فكيف أنت في أهل بيتك وفي نفسك؟ فقال: أنا أبو عشرة، وخال عشرة، وعم عشرة؛ وأما أنا في نفسي فشاهد العز شاهدي. ثم وضع قدمه على الأرض فقال: من أزالها عن مكانها فله مائة من الإبل! فلم يقم إليه أحد من الحاضرين، وفاز بالبردين.

وقوله إذا ما صنعت الزاد، يريد إذا فرغت من اتخاذ الزاد وإعداده فاطلبي من أجله من يؤاكلني، فإني لم أعود نفسي التفرد في الأكل. وهذا الذي أنف منه حتى تبرأ من الرضا به قد ورد في الخبر ما يقوى استقباح العرب له، وتزييفهم إياه فيما يختارونه من كرم الطباع، وإقامة المروءات. ألا ترى أنه قال صلى الله عليه وسلم، فيما روى عنه: " ألا أخبركم بشر الناس؟ من اكل وحده، ومنع رفده، وضرب عبده ".

وموضع وحدي من الإعراب نصب على المصدر، والتقدير لست آكله وقد أوحدت نفسي في أكله إيحاداً، فوضع وحده موضع الإيجاد. والكوفيون يجعلون وحدي في موضع الحال، وإن كان لفظه معرفة، يجعلونه من باب: جاءوا قضهم بقضيضهم، وكلمته فاه إلى في، وما أشبهه. وجواب إذا قوله فالتمسي له أكيلا. وأكيل الرجل وشريبه ونديمه وجليسه، يقال كل منها فيمن عرف بالصفة. لا يقال لمن أكل مع صاحبه مرة واحدة هو أكيله، ولا لمن شرب معه مرة واحدة هو شريبه. وعلى ذلك قولهم: هو جليسه، لا يطلق إلا على من عرف بهذه الصفة فتكررت منه. فإن قيل: كيف نكره وقال التمسي له أكيلا؟ وهلا قال أكيلي؟ قلت: لا يمتنع أن يكون قد عرف بمواكلته عدة، فأراد التمسي من أجله بعد ما هيأته واحداً من المعروفين بمواكلتي، ألا ترى أنه قال مفصلاً لما جمله، وشارحاً لما أبهمه: أخاً طارقاً أو جار بيت، فأبدل من الأول وهو أكيلا ما أبدل. والمراد: التمسي أكيلاً من أحد هذين النوعين طارقاً آخيناه، أو جار بيت باسطناه. وقوله: فإنني أخاف مذمات الأحاديث من بعدي، بيان علة استضاعه من التفرد في الأكل. يريد: أخشى ما يلحق من العار في الأكل منفرداً إذا افتقدت أو ذكرت أحوال الناس، واستعرضت عاداتهم، فاستهجن الهجين منها، واستكرم الكريم. والمذمة بالفتح: الذم، وجمعها مذمات. والمذمة بالكسر: الذمام. وأضاف المذمات إلى الأحاديث ليرى أن خوفه مما يبقى من الذم فيما يتحدث به بعده.

<<  <   >  >>