للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بلاده وأوطانه. وعطف على أرضه السماء تأكيداً لتنائيه عنه، واشتغاله دونه بمباغيه، كأنه لما جعل له أرضاً مباينة لأرضه، جعل لأرضه سماء مباينة لسماء أرضه. ولا يمتنع أن يكون جعل ذلك مثلاً لاختلاف أحواله، كما يقال نفضت نهائم فلان ونجوده. والمعنى: جربته وكشفت عن أحواله. وعلى هذا قولهم: خبرت ضحى فلان ودجاه، والمعنى سره وإعلانه.

ومتى أجئه في الشديدة مرملا ... ألق الذي في مزودي لوعائه

وإذا تتبعت الجلائف مالنا ... خلطت صحيحتنا إلى جربائه

يقول: ومتى زرته في شدائد الزمان فوجدته منقطعاً به لم أحوجه إلى السؤال وبذل الوجه واستحمال المفاقر عنه، لكن ألقيت في وعائه ما كان في مزودي. أي أرم حاله في السر من غير أن يلحقه خجل، أو يمسه تعب. وقوله وإذا تتبعت الجلائف، يقول: وإذا تعاونت الآفات والسنون على أموالنا، وتتابعت الأزمات معترضة في أحوالنا، فقشرتها ولحتها، وأثرت بالسوءى فيها خلط ما سلم من مالنا بالمعيب من ماله. وذكر الصحيحة والجرباء مثل. والمعنى: أصلحنا فاسد حاله بصالح حالنا وتحملنا أوزار الأيام السيئة عنه بما خف من ظهورنا. والجلائف: جمع جليفة، وهي الأعوام المدبة. وأصل الجلف القشر. يقال: جلفت الدن، إذا قشرت الطين عنه.

وإذا أتى من وجهة بطريفة ... لم أطلع مما وراء خبائه

يروى: من وجهه، والمعنى من حيث ما توجه له كاسباً للمال. وقوله من وجهة وهو اسم وليس بمصدر، ولذلك سلم فاؤه. والمصدر الجهة، أعل كما أعل فعله، على ذلك العدة والزنة، والوعدة والوزنة إذا بنيت اسماً.

والطريفة، أراد ما استطرف من المال واستحدث، لكن القصد هنا إلى ما يستحسن من الأعراض، لكونه طرفة. وقوله لم أطلع مما وراء خبائه أي لم اتعرض له تعرض المتتبع لحاله، المتطلع على سرائر أمره. ووراء هاهنا بمعنى خلف.

<<  <   >  >>