للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أعطى صديقي مكاشرتي مانعاً له تلادي، أي لا يجتمع هذان في شيء: العجز لك والسعة لي، فكذلك لا يجتمع على صديقي مني الكشر والمنع. ويجوز في رفع أمنعه وجه آخر، وهو أن يكون على الإستئناف والانقطاع مما قبله، ويكون المعنى لا أعطي صديقي مكاشرتي وأنا أمنعه تلادي ومثله قول القائل: ما تأتيني وتحدثني، والمراد: ما تأتيني وأنت الآن تحدثني. والرفع أجود، ألا ترى أن القائل إذا قال: ما جاءني زيد وعمرو، كان دون قوله ما جاءني زيد ولا عمرو؛ لأن الأول يجوز أن يريد أنهما لم يجتمعا في المجيء، ولكن تفرد كل منهما عن صاحبه فيه، وفي الثاني إذا قال ولا جمعهما النفي، فلا يجيء على حال من الأحوال. وكذلك البيت، لو كان فيه حرف النفي لكان يمتنع حصول الكشر والمنع جميعاً على كل وجه، ووجه الرفع عليه يدور.

وقوله ولكني امرؤ عدوت نفسي، يريد أني جعلت من عادتها على ما يعرض لها من حوادث الدهر أن تجري في مكرماتها، أي في اكتساب مكرماتها، جرى الجياد السبق، لا الكودان البطاء. وقوله محافظة انتصب على انه مفعول له. فيقول: أفعل ذلك لأحفظ شرفي، وأرعى مكارم آبائي وأسلافي. وقوله أرعى حمله على المعنى فعطف على ما قبله وإن اختلفا، أي أفعل ذلك لأحافظ أرعى، محافظة على الشرف ورعياً لمساعي آل ورد. والمساعي واحدتها مسعاة، وهي السعي في تحصيل الكرم والجود. ويقال: هو يسعى لعياله، أي يكسب لهم. وقيل: السعي العمل في الكسب.

[وقال رجل من بني سعد]

ألا يكرب أم الكلاب تلومني ... تقول ألا قد أبكأ الدر حالبه

تقول: ألا أهلكت ما لك ضلة ... وهل ضلة أن ينفق المال كاسبه

يقول: لا متني هذه المرأة وقالت: قد قلل اللبن من يحلب الإبل - ومعنى أبكأ الدر: أتى به بكئاً. ويجوز أن يريد صادفه بكئاً، كما يقال: أحمدت فلاناً. والبك: قلة للبن. يقال: نافة بكئة، وهي ضد الغزيرة - فأنت في ضلال مادام تضييع المال منك ببال. فأجبتها وقلت منكراً عليها، وراداً لكلامها: وهل يسمى جامع المال إذا فرقه ضالاً، وكاسبه إذا أنفقه فيما يريده ويهواه مضيعاً. وانتصب ضلة على المصدر، وهو في موضع الحال، ويجوز أن يكون مصدراً لعلة، فيكون مفعولاً له.

<<  <   >  >>