للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخصال المحمودة، والأخلاق الشريفة، ويتقي انصرافه عن شيمةٍ زكيةٍ عرف بها، وذهابه عن طبيعةٍ رضية فيقال تسخطها أو رفضها، فهو في درجات المجد يسمو ويصعد، وعلى مطالع الشرف يعلو ويغلب.

والانفتال: مطاوعة فتلته فتلا، وهو الانصراف والالتواء. والعوراء: الكلمة القبيحة. والعورة: السوءة وكل ما يستحيا منه.

وقوله: " وتفضل أيمان الرجال شماله "، يقول: تزيد في الفضل والإفضال شمال هذا الرجل على أيمان الرجال كلهم وتعلو عليها، كما غلبت اليمنى من يديه الشمال. والضمير من " شمالها " يرجع إلى اليمنى، أى كما غلبت يمينه شماله غلبت شماله أيمان الرجال كلهم. ويكون هذا كقول الآخر:

وما فضل الجواد على أخيه ... إذا اجتهدا وكل غير آل

فبرز سابقا إلا كفضل ال ... يمين من اليدين على الشمال

فهذا وجه، والأجود أن يجعل الضمير من الشمال عائدا إلى الرجال، فيكون المعنى: كما فضلت يمناه شمال الرجال كلهم. يريد أن زيادة شماله على أيمانهم في الظهور مثل زيادة يمينه على شمائلهم في الظهور.

وما أجم المعروف من طول كره ... وأمرا بأفعال الندى وافتعالها

وتبتذل النفس المصونة نفسه ... إذا ما رأى حقا عليه ابتذالها

قوله " ما أجم "، أى ما كره فعل المعروف حتى كان ينصرف عنه وإن طال تكرره على يده، ودام اكتسابه له، بل يزداد على مر الأيام رغبة فيه، وولوعا به. ويقال: فلان أجم من الطعام، إذا عافه وانصرفت نفسه عنه.

وقوله: " وأمرا بأفعال الندى " عطفه على المعروف، ويريد: ولم يأجم الأمر بفعل الندى واكتسابه له، كأنه كان يبعث الغير عليه، ويتولى فعله بنفسه.

وقوله " ويبتذل النفس المصونة نفسه ". نصب " نفسه " على البدل من النفس. ويكون المعنى أنه إذا رأى ابتذال نفسه المصونة واجبا عليه، وحقا ملازما له، يبتذلها ولا يصونها. وإنما يريد أنه يفعل ذلك في الشدائد وعند احتماء البأس. وهذا كما روي في الخبر: " كنا إذا اشتد البأس اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم ". ويروى " نفسه " بالرفع، ويكون فاعل تبتذل. ويريد بالنفس المصونة كرائم أصحابه وأمواله، فالمعنى أنه لا

<<  <   >  >>