للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يميل إلى الدية، كما لم يكن يميل إلى المسالمة، ولكن المراد ما ذكرناه من التحضيض والحث.

فإن أنتم لم تثأروا واتديتم ... فمشوا بآذان النعام المصلم

الصلم: قطع الأذن من أصلها، ومنه الصليم: الداهية المستأصلة. واتديتم، معناه قبلتم الدية. يقال: وديته فاتدى، كما يقال وهبته فاتهب، أي قبل الهبة. وفي الحديث: " هممت ألا أتهب إلا من قرشيٍ أو أنصاري " ومثله قضيته الدين فاقتضاه، أي قبله وتوفره. وقوله: " فمشوا " أي امشوا. وضعف الفعل للتكثير. ومن روى " فمشوا " بضم الميم فمعناه امسحوا؛ ويقال لمنديلٍ الغمر: المشوش. والمعنى: إن لم تقتلوا قاتلي وقلتم ديتي فامشوا أذلاء، بآذانٍ مجدعةٍ كآذان النعام. ووصف النعام بالمصلم تصويراً لها، وإن كانت خلقة جميعها ذلك. ومن أحاديثهم عن البهائم: " ذهبت النعامة تطلب قرنين فجدعت آذانها ". ومن روى " فمشوا " فامعنى امسحوا بآذانكم مجدعةً مثلةً بكم كآذان النعام.

ولا تردوا إلا فضول نسائكم ... إذا ارتملت أعقابهن من الدم

ترمل وارتمل إذا تلطخ بالدم. قال:

إن بني رملوني بالدم

ويجوز أن يكون هذا الكلام دعاء عليهم، أي أحلكم الله محل من ذا صفته. وعلى هذا يكون قوله " فمشوا " من البيت الأول أيضاً. وإن شئت جعلته تهياً، وفمشوا أمراً. والمعنى: إذا فعلتم ذلك فتأخروا في المواطن كلها والمناجع، وتخلفوا عن المشاهد والموارد، والبسوا الذل راضين به، فإن مآل أمركم مع تضييعكم دم صاحبكم إلى مثل ذلك. وكان عادتهم إذا وردوا المياه أن يتقدم الرجال ثم العضاريط والرعاة، ثم النساء، إذا صدرت كل فرقةٍ عنه، فكن يغسلن أنفسهن وثيابهن ويتطهرن آمناتٍ مما يزعجهن غير مستعجلات، فمن تأخر عن الماء حتى تصدر النساء فهو الغاية من

<<  <   >  >>