للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واحتج بقوله:

وهندٌ أتى من دونها النأي والبعد

قال: ولا خلاف بين أهل اللغة أنه لا فصل بينهما.

ما تعتريني من خطوب ملمةٍ ... إلا تشرفني وتعظم شاني

أضاف الخطوب إلى ملمةٍ لأنه أراد بها أوائل أمر عظيم، وجوانب شرٍ فظيع. وأصل الخطب الطلب، يقال خطبت كذا فأخطبني، كما تقول طلبته فأطلبني، فكأنه أراد أوائل ملمةٍ وأسباباً لها تطلبه. ويقال: هذا خطب أمرٍ عظيم، وهذا خطب أمرٍ يسير. فيقول: ما يطرق ساحتي أسباب نازلةٍ شديدةٍ إلا عظمت شأني، ورفعت قدري، لأنه يعرف بلائي فيها، وحسن مخلصي منها، فازددت في عيون الناس وقلوبهم.

فإذا تزول تزول عن متخمطٍ ... تخشى بوادره لدى الأقران

المتخمط: المتغضب له سورةٌ والتهابٌ، واستعير في آذي البحر وأمواجه إذا التجت. قال:

خمط التيار يرمي بالقلع.

يقول: إذا انكشفت تلك الخطوب والملمات انكشفت عن رجلٍ متكبرٍ يخاف فلتاته وبدراته عند نظرائه في البأس والشدة. والمعنى: إن الدواهي إذا نزلت بساحتي لا تلين لها عريكتي، ولا تحصل علي تذللاً لم يكن من قبل لي. وقوله: " تخشى بوادره " في موضع الصفة للمتخمط. ولم يرض حتى يجعل البوادر مخشيةً عند أشباهه، فكملت الصفة، وتمكنت القافية.

إني إذا خفي الرجال وجدتني ... كالشمس لا تخفى بكل مكان

<<  <   >  >>