للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلما رأينا جهلكم غير منتهٍ ... وما غاب من أحلامكم غير راجع

يقول: ولما وجدناكم لا ترعوون لمواعظكم ونذركم، ولا يعاودكم ما عزب من بصائركم وعقولكم، ولا يقف الجهل بكم على غايةٍ لا متجاوز وراءها، ولا يغني ما استفرغنا فيه الوسع من ردكم وزجركم، راجعنا أنفسنا منكرين ومتعجبين، وأقبلنا نباحث عن أصولنا وفروعنا معتزين، لنقف على ما وطأ لكم مراكب العقوق، وحسن في آرائكم تخطي موانع الحقوق، إلى نكث قوى العهود.

مسسنا من الآباء شيئاً وكلنا ... إلى حسبٍ في قومه غير واضع

قوله " مسسنا " يجوز أن يكون بمعنى أصبنا واختبرنا، لأن المس باليد قد يقصد به الاختبار، ويجوز أن يكون بمعنى طلبنا. وقد قال بعض الناس في قول الله تعالى: " لا يمسه إلا المطهرون ": إن المعنى لا يطلبه. قال: واللمس كالمس في أنه يوضع في معنى الطلب. قال: وعلى هذا يحمل قول الله جل ثناؤه: " وإنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرساً ". فمن الأول قولهم: مسه الكبر، وأفضى الرجل إلى امرأته إفضاء مسيسٍ. ومن الثاني مساس الحاجة. فأما قولهم: به مسٌ من جنون، فيصح أن يكون من الأول ومن الثاني جميعاً. وهذا كما يقال: به لممٌ من جنونٍ، وأصله من اللم وهو الجمع أو الإلمام. وقوله " وكلنا إلى حسبٍ " أي ينتمي وننتمي. ف " إلى " تعلق بهذا وما أشبهه من المضمرات. وهذا كما يقال: أنا منك وإليك. وقوله " كلنا " أي كل واحدٍ منا، يعني أهل بيتهم. ألا ترى أنه قال " إلى حسبٍ في قومه ". ومعنى البيت: لما اشتد لجاجهم وطال تماديهم، وصاروا لا ينزلون عن مراكب البغي، ولا يرجعون عن الذهاب في طرق الفساد، نظرنا: أي عرقٍ يقتضي منكر الخلاف معنا، وما الذي يوجب التدابر من الأنساب والأسباب بيننا، فلمسنا أطراف أبوتنا، واستشففنا جوانبها، ووجدنا كلامنا ينتمي إلى حسبٍ يرفعه ولا يضعه. ويقال: وضعته، إذا حططت منه. ووضع الرجل، وهو وضيعٌ بين الضعة والضعة. والتوضيع: التأنث والانكسار من هذا. ويقال: دابةٌ حسنة الموضوع، وضده المرفوع. وبعيرٌ عارف الموضع، أي ذلولٌ عند الركوب.

فلما بلغنا الأمهات وجدتم ... بني عمكم كانوا كرام المضاجع

<<  <   >  >>