للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مخافة السباء، حتى تبرجن وبرزن مكشوفاتٍ ناسياتٍ للحياء وإن كن حرائر. وإنما قال هذا لأنهم كانوا يقصدون بسبي من يسبون من النساء إلحاق العار، لا اغتنام الفداء والمال، ولما كان الأمر على هذا فالحرة كانت في مثل ذلك الوقت تتشبه بالأمة، لكي يزهد في سبيها. ومعنى و " الإماء حرائر ": واللائي يحسبن إماءً حرائر. ولو قال يخلن إماءً وهن حرائر لكان مأخذ الكلام أقرب، لكنه عدل إلى " والإماء حرائر "، ليكون الذكر به أفخم، والاقتصاص أشنع وأعظم. وقال " باد وجوهها " لتقدم الفعل، وأن تأنيث الوجوه غير حقيقي، ولو قال باديةٌ وجوهها لجاز. وفي هذه الطريقة قول الآخر:

وخمار غانيةٍ عقدت برأسها ... أصلاً وكان منشراً بشمالها

أعيرتنا ألبانها ولحومها ... وذلك عارٌ يا بن ريطة ظاهر

يريد على وجه الإنكار والتقريع: لم عيرتنا ألبان الإبل ولحومها واقتناء الإبل مباحٌ لا محظورٌ في القديم والحديث، والانتفاع بلحمانها وألبانها مسوغٌ غير مردودٍ في الدين والعقل، وتفريقها في المحتاجين إليها إحسانٌ ومعروف يجلبان الحمد والشكر. وذلك عار ظاهرٌ، أي زائلٌ. قال أبو ذؤيب:

وعيرها الواشون أني أحبها ... وتلك شكاةٌ ظاهرٌ عنك عارها

ومن هذا قولك: ظهر فوق السطح، وقولك: جعلته مني بظهرٍ، وقوله تعالى: " اتخذتموه وراءكم ظهرياً ". ويجوز أن يريد بالظاهر أن الحال في أن ذلك ليس بعارٍ ظاهرة غير ملبسةٍ ولا خافيةٍ. ويقال عيرته كذا وهو الأفصح، وعيرته بكذا. قال عديٌ:

أيها الشامت المعير بالده ... ر.............

والواو من قوله " وذلك عارٌ " واو الحال، أي أتعيرنا والحال ذلك.

نحابي بها أكفاءنا ونهينها ... ونشرب في أثمانها ونقامر

بين وجوه تصرفهم فيما عيرهم به، فقال: نجعلها حباءً لنظرائنا فنتهادى بها، ونسهل تمكن العفاة والزوار منها، بابتذالها وإهانتها - وحذف ذكر من أهينت له لأن

<<  <   >  >>