للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جفاةً عند من يسومنا مكروهاً. والمعنى: لا نستلان عند الامتحان. وجعل الغمز غمز المفاصل كنايةً عن الاختبار. وحكي عن بعضهم: " لا أغمز كتغماز التين "، ولذلك صلح أن يقول استغلظتنا في أناملهم. وخص الأنامل لأن الانفتال عن الشيء والإقبال عليه بسلامتها من الآفات يقوى.

وقال جزء من بن كليبٍ الفقعسي

تبغي ابن كوزٍ والسفاهة كاسمها ... ليستاد منا أن شتونا لياليا

قوله " والسفاهة كاسمها " اعتراض دخل بين تبغي ومفعوله. والأصل في السفه: الخفة. ويقال: زمام سفيه، لاضطرابه، كما يقال زمام عيار. فيقول: تطلب هذا الرجل ما تطلبه سفهاً، وفعل السفاهة قبيح كما أن اسمها قبيح. وإنما قال هذا لأن السفه كما تنكر العقول والقلوب ذاته وفعله، كذلك تمج الآذان والصدور اسمه. فإن قيل ما اسم السفاهة حتى قال: والسفاهة كاسمها؟ قلت: قوله والسفاهة، أراد ما يسمى سفاهة، أي المسمى بهذا الاسم، كما أن الاسم الذي هو السفه قبيح. إلا أنه لما لم يجد إلى العبارة عن الذات طريقاً إلا باسمه قال: والسفاهة. ويجوز أن يكون أراد بتبغي: أدخل نفسه في البغي، حين عدا طوره، وسامنا مواصلته، كما يقال تشجع وتمرأ. وقوله " ليستاد منا أن شتونا لياليا " أتى بالفعل واللام، لأن تبغي مثل أراد. فكما قال الله عز وجل: " يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم "، وقال الشاعر:

أرادت لتنتاش الرواق فلم تقم

والمعنى يريدون إطفاء نور الله، وأرادت انتياش الرواق - كذلك قال هذا: تبغي ليستاد، والمعنى تبغي الاستياد منا ومراد الشاعر تطلب النكاح في سادتنا من أجل أنا دخلنا في الشتاء. والمعنى من أجل أنا افتقرنا واشتد الزمان علينا فأثر فينا. قوله " أن شتونا " موضعه نصب، أصله لأن شتونا، فلما حذف الحرف الجار وصل الفعل فعمل. ومعنى شتونا: قحطنا وأقمنا في القحط، كما تقول شتونا بمكان كذا. ويقال: اشتينا، إذا أريد دخلنا في الشتاء.

<<  <   >  >>