للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لاذت هنالك بالأشعاف عالمةً ... أن قد أطاعت بليلٍ أمر غاويها

يقول: التجأت في ذلك الوقت إلى قلل الجبال وأعالي الهضاب، عارفة سوء اختيارها في تحككها بي، وتعرضها بالشعر لي، وأنها قد ائتمرت لغواتها بليلٍ. وذكر الليل ها هنا إشارةٌ إلى حيرتها فيما أتته من تركها الرشاد، وقبولها مشورة الغواة. والأشعاف: جمع الشعفة، وهي أعلى الجبل، وأعلى كل شيء، ولذلك قيل شعفة القلب لرأسه عند معلق النياط. وهنالك ظرف، ويكون للزمان والمكان جميعاً، وزيادة اللام تكون للتأكيد فيه، كأن البعد فيما يشار إليه بهنالك أبلغ مما يكون فيما يشار إليه بهناك. وهذا على طريقة ما تقوله في ذلك وذاك. وقوله " أن قد أطاعت " أن فيه مخففة من الثقيلة، أي عالمة أنها قد أطاعت. ويقولون لما لا يعمل بتثبيتٍ وحسن تدبر: " هذا أمرٌ قد قدر بليل ". وعلى هذا قوله تعالى: " بيت طائفةٌ منهم غير لذي تقول ".

وقال آخر في ابنٍ له

لا تعذلي في حندجٍ إن حندجاً ... وليث عفرينٍ لدي سواء

يخاطب لائمة عذلته في التوفر على ابنه حندجٍ واختصاصه إياه واستخلاصه، وذكر الخليل أن حندجاً في اللغة: رملةٌ طيبة تنبت ألواناً من النبات. فيقول: لا تلوميني في أمر حندجٍ، إن حندجاً وليث هذه المأسدة متساويان عندي. وقد قيل في ليث عفرين: إنها هي التي تصيد الذباب وثباً، فشبهه في كيده ومكره به، وقد وصف الخبيث المنكر بالعفر والعفرية وعفرني، ويقال أيضاً للأسد عفر وعفرني. وقيل هو أشد عفارة، واستعفر فلانٌ. وحكى الأصمعي أن ليث عفرين دابة كالحرباء يتحدى الراكب ويضرب بذنبه. وقيل عفرين: موضع نسب إليه، وقيل عفرين: فعلين من العفر، وهو التراب، لأن عادة الأسد أن لا يصيب من فريسته حتى يعفره، يشهد لذلك قول الآخر في صفته:

ولا نال قط الصيد حتى تعفرا

<<  <   >  >>