للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن كنت مني أو تريدين صحبتي ... فكوني له كالسمن ربت له الأدم

نقل الكلام عن الإخبار إلى الخطاب، على عادة تفننهم. يقول: إن كنت تهوين هواي، أو تريدين الكون معي ومصاحبتي، وإن انطويت في حبه مخالفتي، فكوني له في تصنعك كأنك موافقة الظاهر للباطن، جاريةٌ معه على الحد من حسن العشرة، وإظهار الميل والمودة. والسمن إذا رب نحيه لم يتغير. يريد فلا تتعيري أنت أيضاً. ومعنى ريت له أي من أجله، والأدم: جمعٌ، يقال أديمٌ وأدمٌ. وله نظائر قليلة: إهابٌ وأهبٌ، وأفيقٌ وأفقٌ، وعمودٌ وعمدٌ.

وإن كنت تهوين الفراق ظعينتي ... فكوني له كالذئب ضاعت له الغنم

يقول: وإن كنت تؤثرين مفارقتي وتميلين إلى التباين عني فأسيئي عشرته وكوني له كالذئب ضاعت الغنم من أجل وقوعه فيها. والمعنى عاشريه عشرته لها. ويجوز أن يريد بقوله " ضاعت له الغنم " فاتته الغنم بعد أن أمكنته. والسبع إذا شارف فريسته ثم فاته كان ذلك مهيجاَ له، وداعياً إلى الفساد فيما يمكنه.

وإلا فسيري مثل ما سار راكبٌ ... تجشم خمساً ليس في سيره أمم

هذا كما يقال عن طريق الوعيد إو إظهار الزهد لمن يؤمر شيئاً: اعمل كذا وكذا وإلا فدعهما ولا تعمل أحدهما فلا حاجة لنا فيه. يقول: وإلا فلا تحسني إلي وفارقيني من وقتك. وهذا إظهارٌ لزهده فيها، واطراح تكلف الاشتراطات معها. ثم قال: ليكن سيرك سير الراكب تكلف ورود الماء لخمسٍ، وليس في سيره قصدٌ ولا قربٌ. وقوله " مثل ما سار راكبٌ " أي سيراً يشابه سيره. وقوله " تجشم " من صفة راكب. والأمم: القرب، ويقال أمري من أمركم أممٌ. ويروى: " ليس في سيره يتم " أي إبطاء.

فإن عراراً إن يكن ذا شكيمةٍ ... تلاقينها منه فما أملك الشيم

يقول: إن عراراً إن يكن ذا سوء خلقٍ تمنين به وتشقين بمقاساته، فإني لا أملك تغيير الطبائع والخلائق. وكأنه جوابٌ لاعتذارها من قلة الملاءمة بينهما. والشكيمة: الحد والشدة. ويقال: إنه لشديد الشكيمة، أي شديد العارضة. ويجوز أن يكون

<<  <   >  >>