للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ارتفع سيارٌ بقوله بلاني. واللام في لقد تؤذن بيمينٍ. يقول: لقد خبرني هذا الرجل على ما اتفق من حدثٍ، واعترض من شرٍ، فعرف حسن بلائي عند اختلاف القنا بالطعن. وذكر الزجاج، والمراد الرماح بكمالها، ومثله قول الآخر:

الواطئين على صدور نعالهم

وإنما يوطأ النعل كلها. ويقال: زججته بالرمح، إذا زرقته.

حتى وفيت بها دهماً معقلةً ... كالقار أردفه من خلفه قار

يقول: صبرت لماعز من أمرٍ، وتعسر من وفاءٍ وأداءٍ، لأخرج مما به تكفلت، من العهدة التي فيها دخلت. وقد كان أبو حنبل تضمن لسيار إبلاً له بأعيانها أو شرواها، أي مثلها، فيقول: أخذ سيارٌ ينتظر مذا يكون مني فيما تضمنت حتى وفيت بإبله سوداً مشدودة بعقلها، كأنها في سوادها قارٌ عولي بقارٍ. وهذا يراد به تأكيد السواد. ويقال ردفته وأردفته، إذا جئت بعده. وردفكم وردف لكم، أي تبعكم وجاء بعدكم. وانتصب دهماً على أنه حالٌ للإبل. وفائدة قوله كالقار تصويرٌ للإبل بألوانها. ومعنى لقد بلاني حتى وفيت، أي انتظر ما يكون من البلاء في وفائي عندما ضمنت، وصار يحربني إلى أن وفيت. وفائدة قوله معقلةً، أنه سلمها في مباركها آمنةً. ويجوز أن يكون أراد إبلاً متقدماتها ومتأخراتها سودٌ، فلذلك قال كالقار أردف بقارٍ، ويجوز أن يكون أراد بالقار جمع قارةٍ، وهي الجبال، فشبهها بها في عظمها.

قد كان سيرٌ فحلوا ع حمولتكم ... إني لكل امرئ من جاره جار

يقول: وجب السير للخوف والحذر قبل هذا الوقت، وأما الساعة وقد بلغتم المأمن في جواري فحلوا عن أجمالكم، إني لكل رجل منكم جار بدلاً من جاره الأول. والعرب تقول: هذا من ذاك، وهذا بذاك أي عوضٌ. وفسر قول الشاعر:

ليت لنا من ماء زمزم شربةً ... مبردةً باتت على الطهيان

<<  <   >  >>