للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وشدة بلائه وصبره على الكد. وقوله " قد لفها " يريد الإبل. وجعل الفعل لليل على المجاز. والمعنى: جمعها برجل متناهى القوة، عنيف السوق، يكسر الطرائد بعضاً على بعض، لقلة رفقه وكثرة عسفه، ولأنه قليل الفكر فيها إذ كانت حصلت بالغارة، فإن سلمت فهي غنمٌ، وإن تلفت فليست بغرمٍ، فالعوض منها بالقرب. وقوله " حطم " بناءٌ للمبالغة، وهو من الحطم الكسر.

ليس براعي إبلٍ ولا غنم

ولا بجزارٍ على ظهر الوضم

يقول: لا يرفق هذا الرجل بوسائقه رفق الرعاة، ولا رفق الجزار، وذلك أن الراعي مكتري لاستصلاح مرعيه، وحفظ ما ضم إليه بجهده، والجزار لا يستهلك ماله ولا يعنف عنف من لا يبالي به. وهذا صفة المغوار القليل الفكر في فساد ما يحويه منها، الذاهب عن استبقائها، لا يبالي كيف استوسقت، وعلى أي حالةٍ تحصلت.

[وقال جعفر بن علبة الحارثي]

ألا لا أبالي بعد يومي بسحبلٍ ... إذا لم أعذب أن يجيء حماميا

يقول: اشتقيت من أعدائي يوم سحبلٍ - وهو اسم وادٍ - وأدركت آثاري عندهم فلا أبالي بدنو موتى بعده إذا لم يعذبني الله تعالى تبارك اسمه، إذ كنت نبت أمنيتي، وقضيت مأربتي. والذي تناوله قوله " لا أبالي " هو أن يجيء حماميا. ويقال لا أبالي كذا ولا أبالي بكذا. وإذا لم أعذب ظرفٌ للا أبالي، أي لا أبالي بالموت إذا سلمت من عذاب الله عز وجل. وإنما أتى بإذا رجاء أن يكون الأمر كذلك. وقد مضى القول في أبالي وأصله وما استقر عليه في الاستعمال، وأن قولهم لا أباليه بالةً أصله عند سيبويهً بالية فخفف. وقد ذهب غيره إلى أنها مقلوبة، ويقول في بالةٍ إنها فعلةٌ، وإن ألفها منقلبة عن واو، وأن أبالي كان أباول أي لا أكاثر، ثم وضع موضع لا أحفل ولا أكثرت. وللترجيح والنظر في المسألة موضعٌ غير هذا.

<<  <   >  >>