للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكأن العلف مختصٌ بهذا المعنى؛ فإني لم أجده في غيره.

وقال البرج بن مسهرٍ

فنعم الحي كلبٌ غير أنا ... رأينا في جوارهم هنات

هذا الكلام تهكمٌ وسخريةٌ. وجاز أن يأتي به بلفظ المدح لأنه بما بعده تبين الغرض؛ فيكون أبلغ في الهزء. والهنات: الأمور المنكرة، ولا تستعمل إلا في الشر، وهي جمع هنةٍ، وإنما يكنى بها عن المحقرات، كأنه يرى الإبقاء والمجاملة، ويجري الأمر على المداجاة وترك المجاهرة. وقد يجمع هنةٌ على هنواتٍ، فمن رد اللام في الجمع رده في النسبة أيضاً، ومن لم يرده فهو في النسبة بالخيار، إن شاء قال هنيٌ وإن شاء قال هنويٌ. فيقول: قبيلة كلبٍ محمودةٌ في الأحياء، غير أنا منينا في جوارهم بدواهٍ وبلينا بمنكراتٍ. والاستثناء في هذا المكان يكون منقطعا. وكان فارق قومه طيئاً مراغماً وجاور كلباً فلم يحمد جوارهم ففارقهم ذاماً لهم.

ونعم الحي كلبٌ غير أنا ... رزينا من بنين ومن بنات

يريد مثل ما أراد في البيت الأول من السخرية. ومعنى رزينا: أصبنا ببنين وبناتٍ. ويقال فلانٌ مرزأٌ في ماله فيكون مدحاً، وفلانٌ مرزأٌ في أهله فيكون ترحماً وتوجعاً. ومثل هذا التهكم قول الآخر:

فدًى لسلمى ثوباى إذ دنس ال ... قوم وإذ يدسمون ما دسموا

فالتفدية ها هنا كالمدح بنعم ثم. وقوله " من بنين " من دخل للتفضيل، كأنه قال: رزينا أناساً من بنين وبناتٍ، ومفعول رزينا محذوف، ويجوز أن يكون ذاد من في الواجب على ما أجازه الأخفش وحكاه عنهم من قولهم: " قد كان من مطرٍ فخل عني "، فيكون المراد رزينا ببنين وبناتٍ.

فإن الغدر قد أمسى وأضحى ... مقيماً بين خبت إلى المسات

<<  <   >  >>