للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يفسر به. ولو قال قوما وخذا الحق، فأتى بحرف العطف كما قال الله تعالى: " قم فأنذر. وربك فكبر " كان أفصح. وقد جاء مثله بغير العاطف كثيراً. وقوله " قوما " ليس المراد به فعل القيام، لكنه وصلةٌ في الكلام، وقد بين فيما مضى أمثاله. ويجوز أن يكون قوله خذا الحق على طريق التهكم والسخرية. أي إن قدرتما على أخذ الحق المدعى فخذا. ويجوز أن يكون المعنى: ترككما ما سميتماه حقاً، وطلبكما له عندي سواء على الحقيقة.

سأكفيك جنبي وضعه ووساده ... وأغضب إن لم تعط بالحق أشجعا

يقول: أكفيك ما يمسني ويخصني، ولا أضايقك فيما يرجع نفعه وضره إلي. وذكر وضع الجنب والوساد مأخوذٌ من المثل السائر في المعتني بالشيء المتعهد له، وهو قولهم: " أمٌ فرشت فأنامت ": والمعنى: لا أكلفك عنايةً بأمري، ولا أؤاخذك بمصالح أسبابي: ومتى لم تناول مولاي أشجع الحق، ولم تعامله فيما بينكما بالحق والعدل، غضبت له وانتقمت؛ لأن في تضييع حق المولى والأخذ بالتغميض فيه لازم العار، وفي استعمال التغابي فيما يتعلق بي واطراحي المناقشة والمشاحة فيه باقي الصيت والجمال. قوله " إن لم تعط بالحق " قيل فيه مفعول تعط الثاني محذوفٌ، ومعنى بالحق: بالعدل والإنصاف. كأنه قال: تعط أشجع ما يجب له بالحق. وقيل أراد بتعط تعامل فعداه تعديته. وقيل بالحق هو المفعول الثاني، لكنه زاد الباء فيه تأكيداً، كما قال الآخر:

سود المحاجر لا يقرأن بالسور

ويغلب في نفسي أن الشاعر قال وأغضب إن لم تعطيا الحق أشجعا، لأنه بني الرسالة على أن تكون متوجهةً نحو اثنين: سنانٍ وشجنة. ومخاطبته من بعد أحدهما في قوله سأكفيك، على عادتهم في الافتنان والتصرف، لا يمنع من الرجوع إلى ما بني كلامه عليه من ذكر الاثنين. وهذا ظاهرٌ لمن تأمله.

<<  <   >  >>