للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حذف مفعول قوله فاعلين، وهو ما دل عليه قوله في البيت قبله " تناهوا " كأنه قال: ولستم فاعلين التناهي. يقول: ما أرى أنكم تنتهون إلى ما رسمت، أو تقبلون كلامي الذي إليه أشرت، حتى يعظم الخطب، ويبلغ البلاء أقصى مبالغ الجهد، فيتعدى الأقارب إلى الأباعد، ويتأدى من السقيم إلى البرئ. وذكر الحطب والوقود ها هنا مثلٌ لتفاقم الشأن واستفحاله، واتساع المكروه واشتماله. وقد مضى القول في " إخال " وكسر الهمزة منه.

وأبغض من وضعت إلى فيه ... لساني معشرٌ عنهم أذود

يقول: إني متعطفٌ على عشيرتي وإن كانوا مسيئين إلي، متكرمٌ معهم وإن كانوا متحاملين علي، فأبغض إنسانٍ أذكره وأتناوله بلساني متنقصاً له، قومٌ أدفع عنهم في وقتي، وأحامي عليهم في ظاهري أمري. وفي البيت تقديمٌ وتأخيرٌ، وأصل ترتيبه: أبغض من وضعت لساني فيه إلى قومٌ هكذا شأني معهم. وهذا تنبيهٌ على أن الرشاد في المحافظة على حرم ذوي الرحم وإن كانوا منابذين. فمن من قوله " أبغض من " نكرةٌ موصوفةٌ، وصفته وضعت لساني فيه الجملة. وقد فصل بين بعضها والبعض الآخر بقوله " إلي " وهو أجنبي منها. وهذا في الصفة أقرب منه في الصلة، فاحتماله فيه أقرب. ومثل هذا قول جرير:

فلو شاء قومي كان حلمي فيهم ... وكان على جهال أعدائهم جهلي

ومعنى أذود: أدفع، ومنه سمي اللسان المذود، وهذا كما سمي المفصل.

ولست بسائلٍ جارات بيتي ... أغيابٌ رجالك أم شهود

يحتمل وجهين: أحدهما أن يتبجح بتعففه في جاراته، وأنه لا يتطلب مفارقة القيمين بهن، بمرصداً للتمكن منهن، فيكون ذلك باعثاً للسؤال عن رجالهن، ليغتنم الخلوة بهن. والثاني أن يريد رفع الطمع عن جيرته، وقلة الفكر في تتبع أحوالهم، عند حضورهم وغيبتهم، إذ لم يكن همه في النيل منهم، ومشاركتهم فيما يتجدد لهم من خير، فعل المسف للمطامع الدنية. ويكون هذا كما قال الآخر:

وإذا أتى من وجهه بطريقه ... لم أطلع مما وراء خبائه

وهذا أوجه، لأن ذكر العفة قد جاء من بعد.

ولست بصادرٍِ عن بيت جاري ... صدور العير غمره الورود

<<  <   >  >>