للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشفا: حرف الشيء. ويمشي في موضع الحال. والبيت يحتمل وجهين: أحدهما أن يكون المعنى إذا أشفى ابن عمي على بلاءٍ وشرٍ يخاف عليه منه، ويخشى عطبه فيه، فإني لا أدفع في صدره تحاملاً عليه ليقتحمه، ولا أزج به فيه لأغرقه. ويجوز أن يريد: إذا انحرف عني مهاجراً لي ومشى على جانبٍ من المؤانسة معي لا أنفره، ولا أتمم استيحاشه بما أثير من كوامن غيظه، وإن بلغني الدواهي عنه، وقاسيت الشدائد من التأذي به. أي لا أنتهز الفرصة في مكاشفته وإن اتصل بالسوء تعرضه، ودام فيما يعن اعتراضه. والجنادع في الأصل تستعمل في هوام الأرض، تستعمل كنايةً عن ضروب المكاره وأنواع الأذى. ومن قولهم: " بدت جنادعه والله جادعه ". وهذا كما استعاروا العقارب فقالوا: دبت عقاربه. وقال الخليل: الجنادع: جنادب في حجرة الحشرات يخرجن إذا كان الحافر يبلغ أقصاها. ومنه قيل في المثل: " جاءت جنادع الشر "، أي أوائله. واستعمل في الكلام أيضاً فقيل جنادع القول لما يسوء منه. ويجوز في قوله " يمشي على شفاً " وجهٌ آخر حسنٌ، وهو أن يكون يمشي في معنى ينم ويحطب. وفي المثل: " هو أضرب من مشي بشفةٍ ". وكأنه مأخوذٌ من قوله تعالى " مشاءٍ بنميمٍ "، ويكون على هذا قوله " على شفاً " متعلقاً بمضمر، كأنه قال: يفعل ذلك كأئناً على شفاً أو حاصلا؛ والمعنى منحرفاً: أي لا أدفعه عن التحريش والنميمة قهراً وعنفاً، ولكن أعطفه بالحسنى.

ولكن أواسيه وأنسى ذنوبه ... لترجعه يوماً إلي الرواجع

قوله " أواسيه " أي أجعله إسوة نفسي، فأقاسمه مالي وملكي: يقول: لكني أتناسى ذنوبه وهفواته، وأتغابى جرائمه وزلاته، وأحسن التأتي في أثناء ذلك لمواساته، عند ما أنتظر من فيئته وعطفته، حتى يرده إلى ما كان عليه من قبل دواعي الأحوال، وتشابك الأرحام، ورواجع العقب، ولواحق السبب. وهذا الذي وصفه هو الغاية في الإبقاء والاستبقاء.

وحسبك من ذلٍ وسوء صنيعةٍ ... مناواة ذي القربى وإن قيل قاطع

يقول: كافيك من سوء الفعل واكتساء الذل، أن تناوئ أقاربك وإن كانوا قاطعين عاقين، مهاجرين مصارمين. وإنما قال " من ذلٍ " لأن عز الرجل بعشيرته، ومن

<<  <   >  >>