للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رسول امرئٍ يهدي إليك نصيحةً ... فإن معشرٌ جادوا بعرضك فابخل

يخاطب بقوله " أبلغ " صاحباً له، يقول أد إلى أبي سلمى رسالةً تفزعه على ما بيننا من البعد، وعلى استيطانه ذا سدرٍ ونزول أهلي بعسجلٍ. وذو سدرٍ: موضع فيه السدر، وهو شجر النبق. وعسجلٌ: موضعٌ من حرة بني سليم، وبينهما مسافةٌ بعيدةٌ. والرسول يقع على المراسل والرسالة جميعاً، ويجري مجرى المصادر، فيقع على الواحد فما فوقه، ومجاز " لوحل " مجاز الشرط، فهو يفيد معنى إن، كأنه قال: أبلغه ذلك فإني لا أذخره نصحي، وإن بعد عني وعن عشيرتي. وانتصب " رسول " من البيت الثاني على أنه بدل من رسولاً يرعه. ونقل الكلام في البيت الثاني عن الإخبار إلى الخطاب، لتكون الوصاة أنجع، والرسالة أبلغ. وإنما قال " رسولاً يرعه " لما فيه من التحذير. فيقول: أد إليه رسالة رجلٍ منتصحٍ متقربٍ، وعلى ما يكون فيه صلاحه وخلاصه منبهٍ. وقوله " فإن معشرٌ جادوا بعرضك " تعريضٌ بمن كان يغشه ويخونه، ويداجيه فيما استشاره فيه فلا يصدقه. وارتفع " معشرٌ " بفعلٍ مضمرٍ " جادوا " تفسيره؛ لأن إن بالفعل أولى، والمعنى: إن عرضك من لا يهمه سلامة عرضك لما فيه ذهاب النفس وتلف المهجة، وتسخى بك وبما يجمعك وإياه من أسباب المودة واللحمة، فابخل أنت به وتماسك، قبيل فوت الوقت، وانظر ليومك وغدك قدام تولي الأمر.

وإن بوءوك مبركاً غير طائلٍ ... غليظاً فلا تنزل به وتحول

يقال: بوأته مبوأ صدقٍ، أي أحللته. والمباءة: المنزل. يقول: وإن حملوك على مركبٍ غير وطئٍ يسومونك فيه خسفا، وأنزلوك منزلاً خشناً حزناً يؤثر في ثفنات الإبل فيدميها، ويستوعره الركب فلا يرونه منزلاً لها، فلا ترض به، وانتقل عنه. وهذا مثلٌ لما عرضوه له، ويبعثه بضربه إياه على محاذرته، وتصور الأمر معهم بصورته. وقوله " غير طائل " يجب أن يكون من الطول: الفضل؛ يقال: طال عليهم طولاً فهو طائلٌ. والمعنى: لا خير فيه فيطول على غيره. ومثل هذا البيت قول امرئ القيس:

هو المنزل الآلاف من جو ناعطٍ ... بني أسدٍ حزناً من الأرض أوعرا

وقوله " فلا تنزل به " الفاء مع ما بعده جواب الشرط في قوله وإن بوءوك. وموضع فلا تنزل رفعٌ على أنه خبر مبتدأ محذوف، كأنه قال: فأنت لا تنزل به.

<<  <   >  >>