للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شرى ودي وشكري من بعيدٍ ... لآخر غالبٍ أبداً ربيع

يقال: شربت الشيء بمعنى اشتريت وبعت جميعاً، وكذلك بعت يصلح للأمرين، ومن شريت الضروري، وهو المثل، لكن لامه وهو ياءٌ قلبت واواً، لأن فعلى إذا كان اسماً ولامه ياءٌ يفعل به ذلك، فرقاً بين الاسم والصفة. وعلى هذا قولهم الفتوى. فيقول: اشترى ربيع الحفاظ على بعده مني، ودي له، وثنائي عليه وعلى آخر رجلٍ يبقى من بني غالب أبداً. وقوله " من بعيدٍ " في موضع الحال. وإنما قال هذا لأنه ناله إحسانه ووجب عليه شكره وبينهما مسافةٌ وبعدٌ.

؟؟؟

[وقال هدبة]

إني من قضاعة من يكدها ... أكده وهي مني في أمان

ليس يريد بهذا الكلام نسبة نفسه إلى قضاعة فقط، بل يريد اختصاصه بهم، وتعصبه لهم. وهذا كما يقال: أبا من فلانٍ وإلى فلانٍ، أي ابتدائي منه وانتهائي إليه، فيقول: إني منتمٍ إلى قضاعة أهوى هواها، وضلعي معها، فمن عاداها أوة نابذها عاديته ونابذته، وهي آمنةٌ من مكروهي وأذاي، إذ كنت أنعطف عليها فيما ينوبها، وأغتفر زلاتها فيما يتفق منها. وهذا الكلام في التنبيه في الاختصاص، والإبانة عن الطاعة والإخلاص، من أبلغ كلام وأكرم إيناس. ألا ترى أنه فصل ما أجمل، وفسر ما أبهم بقوله " من يكدها أكده وهي مني في أمان "؟ وهذا صفة جوارح الإنسان مع جملته وأبعاضه مع كله، بدلالة أنه يدافع من يريد إصابة أحدها، ثم هي آمنةٌ من جنايته عليها، أو على شيءٍ منها.

ولست بشاعر السفساف فيهم ... ولكن مدره الحرب العوان

يقول: ليس محلي منهم وفيهم محل شاعرٍ يسفسف القريض، ثم يقف دون غايته باليد واللسان. والسفساف: ما لا خير فيه من الأفعال والأقوال: وفي الحديث: " إن الله تعالى يحب معالي الأمور ويبغض سفسافها ". والعوان من الحرب: التي قوتل فيها مرةً بعد أخرى. فإن قيل: أين عجز البيت من صدره في النظام، وهلا قال بعد ما نفى عن نفسه من الشعر الركيك: ولكني شاعر المتخير الرصين؟ قلت: إنما

<<  <   >  >>