للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اللمم أن يحلق الشعر، إذ كانوا جعلوا ذلك شعاراً لهم، وهذا اليوم من أيام بكرٍ وتغلب. وكان جحدرٌ هذا حسن اللمة غزلاً، متبجحاً بجماله ووفرته عند النساء، فسأل - لكراهته ما ساموه - الإعفاء منه، منتظرين ما يكون من بلائه، وتشهير نفسه بين الصفين بعلامةٍ تميزه وآثار تشرفه، وحملاتٍ على الأعداء تدل على غنائه، ومقاماتٍ تشهد بوفائه؛ فإن لم يف بذلك حينئذٍ تجز لمته عقوبةً وتنكيلاً، ففي جز اللمة إذلالٌ؛ ولذلك كان يفعل بالأسير عند المن عليه. ثم ذكر ما نشأ عليه وتفرس فيه من وقت الولادة إلى الإيفاع، من الغناء والكفاية، والذكاء والشهامة، فقال: قد علمت والدتي أي ولدٍ تضمه إلى نفسها بي، وأي إنسانٍ تلفف في القمط حين لفتني، وأي فارسٍ تشمه بشمي، إذا تراكمت الأهوال، وتداعت الأبطال، وضاق المكر والمجال، وتلاحقت الرجال بالرجال، فهذا سبب توطينه النفس على القتل، ووجه الشرط في مناجزة الخيل. وقوله " يتمت " مصدره اليتم. قال الدريدي: اليتيم الفرد، لذلك سمي الذي يموت أحد والديه يتيماً، كأنه أفرد، وقيل اليتيم في الناس من الأب والأم، ومن البهائم من الأم. وقوله " آمت " مصدره الأيمة والأيوم. والأيم: التي لا زوج لها. والكنة، قال الخليل: هي امرأة الأخ أو الابن. ويشهد لما قاله قول الشاعر:

هي ما كنتي وتز ... عم أني لها حمو

ويعني جحدرٌ بالكنة امرأة نفسه، كأنه من حيث كانت كنة قومه أضافها إلى نفسه.

والشعث والشعوثة: اغبرار الشعر وتلبده.

وقوله " ردوا علي الخيل " يريد اصرفوا وجوها إلي.

والمناجزة: المعالجة بالقتال، ومنه إنجاز الوعد، ونجز الشيء.

وقوله " ما لففت في خرقٍ " بدلٌ من قوله ما ضمت، والتكرار على هذا الوجه تفخيمٌ للقصة.

<<  <   >  >>