للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن أهلك فذي حنقٍ لظاه ... علي يكاد يلتهب التهاباً

هذا الكلام تسلٍ عن العيش بعد قضاء حاجته، وإدراك ثأره، وإرغام عدوه، ولولا ما تيسر له من ذلك وتسهل لكان لا يسهل عليه انقطاع العمر، ولو مات مات بغصةٍ. فيقول: إن أمت فرب رجلٍ ذي غيظٍ وغضبٍ تكاد نار عداوته تتوقد توقداً، أنا فعلت به كذا. وقوله " لظاه " في موضع المبتدأ، و " يكاد يلتهب " في موضع الخبر، والجملة في موضع الصفة لذي حنقٍ، وانجر ذي حنقٍ بإضمار رب، والمجرور برب يقع موصوفاً في الأكثر وجواب رب فيما بعده، والفاء من وقوله " فذي حنقٍ " مع ما بعده جواب الجزاء. فإن قيل: إن الفاء في جواب الجزاء إنما يجيء إذا خالف الجملة التي تكون جزاء الجملة التي تكون شرطاً بأن تكون مبتدأ وخبراً، فكيف يكون تقديرهما بعد الفاء ها هنا؟ قلت: يكون التقدير: إن أهلك فالأمر والشان رب ذي حنق بهذه الصفة فعلت به كذا. فقوله طرب ذي حنق " خبرٌ للمبتدأ الذي أظهرناه.

مخضت بدلوه حتى تحسى ... ذنوب الشر ملأى أو قرابا

هذا جواب رب. فيقول: رب إنسانٍ هكذا، أنا حركت بدلوه التي أدلاها في الأمر الذي خضنا فيه، حتى ملأتها. وجعل الدلو كنايةً عن السبب الذي جاذبه فيه، والطمع الذي جرأه عليه، قال: فتحسى دلو الشر مملوءةً أو قريبةً من الامتلاء. وقراب الملء: أن يقارب الامتلاء، ويقال قرابٌ بكسر القاف وقرابٌ بضمها. والمعنى: جعلت شربه من الشر شرباً مرويا.

وقد استعمل أبو تمام الدلو على الطريقة التي استعملها ربيعة فقال:

ألقوا دلاءً في بحورك أسلمت ... ترعاتها الأكراب والأوذام

واستعمل غيره دلوت في معنى الاستخراج فقال:

قد جعلت إذا ما حاجتي نزلت ... بباب دارك أدلوها بأقوام

<<  <   >  >>